كلمة الاقتصادية

صدرت أمس مجموعة من الأوامر الملكية التي يمكن قراءتها جنبا إلى جنب مع جميع الأوامر الملكية، التي صدرت منذ تولى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان مقاليد الحكم للمملكة، التي تصب جميعها في إعادة بناء الدولة وجميع الجهات الحكومية، لتواكب متطلبات هذا العصر، وتواجه التغيرات السريعة التي يشهدها. وبدأت تلك الإصلاحات الرئيسة بـ "رؤية المملكة 2030" ومحاورها الثلاثة، وطن طموح، اقتصاده مزدهر، وحكومته فاعلة، وإذا كنا قد شهدنا في السنوات الماضية كثيرا من الأعمال الجبارة التي تصب في بناء نموذج الوطن الطموح، حيث تم بناء جميع برامج "رؤية المملكة 2030" التي تضمنت 12 ب رنامجا طموحا، من بينها وأهمها برنامج التوازن المالي، الذي انصبت جهود المملكة فيه على تحقيق تجاوز حقيقي لأزمة تقلبات أسعار النفط لتأثيرها في الميزانية العامة، وقد تمت إصلاحات أخرى كبيرة في المالية العامة، تضمنت تنويع الإيرادات غير النفطية وإصلاح نماذج الدعم الحكومي وإنشاء "حساب المواطن" وإصلاح أسعار الطاقة. في المقابل في محور الوطن الطموح، تم إنجاز عمل ضخم في محور الاقتصاد المزدهر، حيث تعززت مكانة المملكة كإحدى أهم دول مجموعة العشرين الأقوى اقتصادا، وجاءت التصنيفات العالمية مميزة وأشادت بها المؤسسات الدولية، ومنها إشادة صندوق النقد الدولي بالإصلاحات الاقتصادية، كما تم العمل بشكل مكثف على مشاريع اقتصادية عملاقة، وإصلاح منظومة الصناديق الحكومية، وتنمية رأسمال صندوق الاستثمارات العامة إلى 600 مليار، وتصل الصناديق السيادية للمملكة إلى المراتب العشر الكبار في العالم، كما تم تدشين مشروعات عملاقة مثل "نيوم" و"البحر الأحمر" و"القدية" و"وعد الشمال" ومشاريع الطاقة في المنطقة الشرقية، واستكمالا لهذه المسيرة نحو تحقيق "الرؤية" فإن الأوامر الملكية التي صدرت أمس تهتم الآن بمحور الحكومة الفاعلة. فمن الواضح أن إعادة تشكيل مجلس الوزراء تؤكد حرص خادم الحرمين الشريفين على بقاء ديناميكية وحيوية العمل، ذلك أن العمل الحكومي بيروقراطي بطبعه وينزع إلى الرتابة في العمل، والرتابة هنا لا تعني البطء بل تعني الاستسلام للتكرارية المنتظمة، ما يعطل أدوات الابتكار والتحفيز، والتوازن بين البيروقراطية والتحفيز مرهون بمثل هذا التجديد، وهذا نقرأه بوضوح في الأمر الملكي بشأن تولي الدكتور إبراهيم العساف وزارة الخارجية، بينما يتولى عادل الجبير ملف الشؤون الخارجية كوزير للدولة، فالدكتور العساف من أكثر الوزراء خبرة بالعمل الحكومي، بينما الجبير من أكثرهم حيوية في العمل الدبلوماسي، وهذا التكامل والتوازن يمكن قراءته بوضوح، وسيجعل العمل الدبلوماسي والسياسة الخارجية للمملكة وأدواتها أكثر قوة وصلابة، وفي هذا المسار أيضا نقرأ الأوامر الملكية الخاصة بالتعديلات الوزارية في كل من وزارة التعليم والشؤون البلدية والإعلام، فالمسألة تصب في تجديد الدماء في العمل الحكومي وإضافة خبرات أكثر تخصصية، فالحكومة الفاعلة هي الهدف، وأي وزارة يظهر للملك أنها تتباطأ في الإنجاز تجد دوما تجديدات في الدماء، وتحفيزا للأفكار والابتكار مقابل متطلبات المرحلة. ونتذكر دائما دعوة خادم الحرمين الشريفين إلى الاستثمار في الموارد البشرية المتمكنة. تأتي الأوامر الملكية لإنشاء هيئات جديدة مثل هيئة الفضاء، فالوطن الطموح الذي يصنع الصاروخ للوصول إلى الفضاء يحتاج إلى حكومة فاعلة في هيئة فاعلة لمواكبة الازدهار في هذه الصناعة التي تنمو بقوة في العالم، والمملكة تريد أن تحجز حصة في هذه السوق المتنامية. إنه هدف الحكومة الفاعلة الذي يتطلب إنشاء هيئة المشتريات المحلية والمحتوى المحلي من أجل تحقيق الاقتصاد المزدهر، فالمصانع السعودية تحتاج إلى منحها مساحة واسعة في جميع أوجه النشاط الاقتصادي، وذلك بتعزيز عناصر المحتوى المحلي في جميع الصناعات والمشتريات الحكومية، وهذا ينتج قطاعا خاصا قويا ومشاركا، وهو يتناسب مع ما صدر أخيرا ضمن ميزانية عام 2019 بشأن دعم القطاع الخاص بحزمة تصل إلى 200 مليار ريال، ووجود هيئة لمراقبة ودعم المحتوى المحلي ستعزز من الفوائد الضمنية لحزمة الدعم، كما أن تعزيز المحتوى المحلي سيكون له امتداد لمعالجة مشكلات البطالة، في السياق نفسه يأتي إنشاء هيئة مستقلة للمعارض لتحقق الاستفادة القصوى من الميزة النسبية للموقع الجغرافي للمملكة، وهي الميزة التي أشارت إليها المملكة بكل وضوح في "رؤية 2030"، التي أسندت إلى الموقع الجغرافي. المملكة اليوم تستقبل كثيرا من الفعاليات والمعارض، وتنتظر استقبال قمة مجموعة العشرين، ومن المسلم به اليوم أن للمعارض والأحداث والمؤتمرات عوائد اقتصادية كبيرة تحتاج إلى الرصد، وتنمية صناعة اقتصاد مزدهر، والحكومة الفاعلة في هيئة المعارض والمؤتمرات ستكون الذراع الرئيسة لتحقيق ذلك.
&