محمد السماك

 خرجت قضية مسلمي الروهينجا الذين يتعرضون إلى حملة إبادة على يد القوات العسكرية في ميانمار، من قضية إسلامية الى قضية إنسانية عالمية، تؤكد تلك الوقائع التالية:

أولاً: الزيارة التي قام بها بابا الفاتيكان فرنسيس إلى بنجلاديش، حيث التقى ممثلين من المهاجرين – المبعدين – الروهينجا. وهناك قال عبارة حددت موقف الكنيسة الكاثوليكية من الجريمة المتمادية، قال فيها: «إن ذنب هؤلاء هو أنهم يريدون أن يمارسوا عقيدتهم، وأن يتحدثوا بلغتهم، فاتركوهم يمارسون هذا الحق الطبيعي». ورغم جرأة هذا الموقف، فإنه يعكس حقيقة مشاعر البابا. وقد تعمّد استخدام لغة متحفظة لتجنيب المسيحيين في ميانمار من عمليات انتقامية مماثلة لما يتعرض له المسلمون هناك. وفي هذا الإطار المسيحي أيضاً، فإن رئيس أساقفة جنوب أفريقيا «ديزموند توتو»، أحد أبطال التصدي لنظام التمييز العنصري في بلاده، وجه رسالة إلى رئيسة ميانمار «دو أونج سوكي» قال فيها: «عزيزتي، إذا كان ثمن بقائك في سدة الرئاسة السكوت، فإن هذا الثمن مرتفع جداً». مع ذلك، فإن الرئيسة التي سبق أن مُنحت جائزة نوبل للسلام بسبب دفاعها عن الديمقراطية في بلادها، لم تردّ لا على البابا فرنسيس، ولا على رئيس الأساقفة ديزموند توتو. ثانياً: المبادرة الجريئة جداً التي اتخذها متحف ذكرى الهولوكوست في الولايات المتحدة. وتتمثل هذه المبادرة في سحب جائزة سبق أن منحها المتحف اليهودي الأميركي إليها في عام 2012. ولم يمنح المتحف جائزة حتى الآن سوى لشخصيتين فقط. كانت الرئيسة «سوكي» أحدهما. أما الشخصية الأخرى، فكانت لأحد الناجين من مجزرة الهولوكوست النازية «إيلي وايزل» وهو مؤسس المتحف. ويردّ المتحف سحب الجائزة إلى أن السيدة «سوكي» فشلت في الدفاع عن كرامة الإنسان، وفي منع أعمال الإبادة، ولذلك فإن احتفاظها بالجائزة يشكل امتهاناً لقيمتها المعنوية. وقالت لجنة منح الجائزة، إن الرئيسة «سوكي» لم تحترم التزامها بالدفاع عن كرامة الإنسان وحقوقه الطبيعية، ولم تقم بأي شيء لوقف الانتهاكات التي تمارسها القوات العسكرية في بورما ضد الأقلية المسلمة من الروهينجا، أو حتى لإدانتها أو للتعاطف مع مأساة الروهينجا المضطهدين.

واتهمت لجنة الجائزة الرئيسة سوكي بأنها تضامنت مع القوات العسكرية في بلادها، ومع الحزب الوطني للدفاع عن الديمقراطية الذي تتزعمه في تعطيل جهود الأمم المتحدة للتحقيق في المجازر، حتى أنها كمّت أفواه الصحافة، وجرى اعتقال المراسلين الصحفيين، ومن بينهم اثنان من وكالة رويتر.. وتبنّت حملات الكراهية ضد الروهينجا.
وهنا أيضاً لم تردّ الرئيسة سوكي بأي كلمة. وكأن الأمر لا يعنيها من قريب أو من بعيد. ثالثاً: أدان المبعوث الخاص للأمم المتحدة حول حقوق الإنسان الجرائم التي ترتكبها القوات العسكرية في ميانمار ووصفها في تقريره الرسمي بأنها من أعمال الإبادة.

رابعاً: قرر حاكم ولاية نيو مكسيكو السابق «بيل ريتشاردسون»، وهو صديق قديم للرئيسة «سوكي»، الانسحاب من لجنة سبق أن شكلتها هي نفسها للتحقيق في «الاتهامات» الموجهة إلى القوات المسلحة في ميانمار. ووصف عمل اللجنة بأنها مجرد تغطية على هذه الجرائم وليس للكشف عنها. لقد سبق للقوات العسكرية في ميانمار أن احتجزت الرئيسة «سوكي» وفرضت عليها الإقامة الجبرية بين عامي 2010 و2015. ولم يُطلق سراحها إلا بعد أن فاز حزبها بالانتخابات العامة بأكثرية كبيرة. فأطلق سراحها. ونتيجة لذلك، رفعت الولايات المتحدة العقوبات التي كانت مفروضة على ميانمار، وقدمت لها المساعدات، حتى أن الرئيس باراك أوباما قام بزيارتها، وكان الرئيس الأميركي الوحيد الذي قام بمثل هذه الزيارة.

مع ذلك لم تستجب الرئيسة سوكي لمطالب المجتمع الدولي –الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان- بوقف العمل في قانون 1982 الذي صدر أثناء الحكم العسكري (المستمر حتى اليوم بصورة غير مباشرة تحت عباءة الرئيسة سوكي)، وبموجبه تم سحب الجنسية من الروهينجا الذين يعيشون في المنطقة الغربية من ميانمار، واعتُبروا غير مواطنين. وهذا يدل على أن التمييز العنصري الذي أدى إلى ارتكاب جريمة الإبادة تم بموجب قوانين وضعتها الحكومة العسكرية السابقة.. وتتولى تنفيذها الحكومة الجديدة برئاسة سوكي !

من هنا تأكيد لجنة متحف الهولوكوست في واشنطن على أن لا مكان للحياد في هذه القضية، وأن الحياد هنا هو في مصلحة المعتدي، وليس في مصلحة الضحية. وأن الصمت يشجع على العدوان ولا يوقفه!..

ولكن رغم كل هذه المواقف الإنسانية، فإن جريمة الإبادة بحق مسلمي الروهينجا تتواصل ويستمر معها تساقط الضحايا والأبرياء على خلفية عنصرية ودينية.