رضوان السيد 

منذ أربعة أيام، وأنا أكتب هذه المقالة مساء الخميس، ينشغل العالم بالضربات التي قد يوجهها الأميركيون وحلفاؤهم الأوروبيون لنظام الأسد بسبب استخدامه الكيماوي في دوما. في المرة الماضية، في حالة خان شيخون، كانت ردة فعل روسيا مثلها هذه المرة: ليس هناك استخدام للكيماوي، وقد عارضوا التحقيق الأممي المستقل. وهذه المرة فعلوا نفس الشيء. ووقتها وعندما يئس ترامب النافد الصبر، ضربت قواته مطار الشعيرات. إنما في المفاوضات السرية، ورغم الإنكار الروسي العلني وبعد ضرب الشعيرات، تعهد الروس بمنع الأسد من استخدام الكيماوي مجدداً. الأميركيون يقولون الآن إنه أخَلَّ بوعده بدليل العودة لاستخدام الكيماوي في دوما. وإذا قيل إنّ الروس ما كانوا يعلمون أنّ البراميل المتفجرة تحتوي على الغازات السامة، فلماذا عارضوا مشروعات القرارات بمجلس الأمن والداعية لإرسال مثل تلك اللجنة. إنّ معارضتهم هذه بعد تعهدهم السابق، تجعلهم في نظر الأميركيين وحلفائهم، شركاء مع الأسد في استخدام الغازات السامة ضد المدنيين السوريين.

وفي ساحةٍ مجاورةٍ لسورية هي لبنان، تشتعل همومٌ أُخرى غير هموم الروس والأسد. فاللبنانيون يخشون أن تكون الضربة إن وقعت ثقيلة، بحيث لا يعود بوسْع الإيرانيين من خلال «حزب الله» إلاّ الرد بإرسال صواريخ باتجاه إسرائيل، وسترد إسرائيل بحربٍ شاملة. إنّ الأمل المتردد لدى اللبنانيين له أحد وجهين: أن لا تضرب أميركا، وإن ضربت أن لا يردَّ «حزب لله»!

لماذا هذه الخشية اللبنانية، المغلَّفة بالبهورة من جانب الحزب وجبران باسيل والرئيس بري، والذين أعلنوا عن وقوفهم مع النظام السوري. تأتي الخشية من أنّ لبنان لا يملك القرار بشأن الحرب من عدمها، لا رئيسه ولا جيشه، ولا رئيس حكومته، ولا مجلس نوابه. الذي يملك القرار بإشعال الحرب هو «نصر الله» وحزبه، ومن ورائهما الإيرانيون! فحتى العراق الغاصّ بالنفوذ الإيراني يظل وضعه أقوى بكثير من وضع حكومة لبنان. فالعبادي لا يجد نفسه ملزماً بالدفاع عن بشار الأسد؛ بينما يجد ذلك حتى باسيل في لبنان!

لقد أجرى رئيس الحكومة الحالي تسويةً قبل عام ونصف، وصل بنتيجتها رئيس الجمهورية الحالي إلى سُدّة الرئاسة، وتشكلت حكومة ثلثا أعضائها من أنصار عون و«حزب الله»، ولا أحد يدري بأي شروطٍ وضمانات. ووقتها قال كثيرون: إنّ التسوية غير المشروطة، تزيد من تحكم الحزب بإدارة الدولة، وتعريض لبنان للأخطار، كلما تصاعد توترٌ في المنطقة. وقد حاول المسؤولون اللبنانيون عام 2011، حين كان بإمكانهم ذلك، فأصدروا بيان النأي بالنفس بالإجماع، لكنّ الحزب تدخل في سوريا، وقتل الألوف، وهجّر أكثر من رُبع مليون سوري من حمص وحتى القلمون! وقال إنّ ذلك البيان أرخص من الحبر الذي كُتب به! ويقال إنه في برامج التسوية وحكومتها تعهد الحزب بأن يدع للجيش القرارات العسكرية والأمنية الكبيرة. لكن إذا كان هذا التعهد قد حصل؛ فإنّ نصر الله نقضه في حرب الجرود عندما لم يسمح للجيش بطرد «داعش» من لبنان، وتفاوض مع الأسد بنفسه لسحب عناصر «داعش»؛ ووافق رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة على مضض، وعاد الجيش منتصراً من دون قتال!

كل وقائع الشهور الماضية مع العهد وحكومته، لا تُشعر بالحرص ولا بالقدرة على التعامل مع التنظيم المسلَّح بما يحفظ أمن البلاد. بل إنّ رئيس الجمهورية راح يعطي الحزب مهاما ووظائف جديدة: ردع إسرائيل، ومكافحة الإرهاب، وأنّ سلاحه باقٍ لحين «انتهاء أزمة الشرق الأوسط»!

رد فعل باسيل وبري على التهديد الأميركي بالضربة، جاء إجابةً على كلام رئيس الحكومة أنّ لبنان يلتزم النأي بالنفس. لكن هل يملك رئيس الحكومة إنفاذ كلامه، ومنع الحزب من إشعال الحرب مع إسرائيل إذا قررت إيران ذلك؟ طبعاً لا يملك، وليست لديه حتى القوة الأدبية لذلك بعد حكم التسوية وحكومتها! أما اللبنانيون الذين يجزعون فذلك ذنبهم، لأنهم لا يثقون بقدرة الحزب على الانتصار والتحرير ثانياً وثالثاً ورابعاً، والدور الآن على ترامب أن يخاف، من جبروت سليماني وميليشيات أبو الفضل العباس!