رياض نعسان أغا

إذا كانت الأمور بخواتيمها، فإن خواتيم مؤتمرات أستانة تؤكد أن هذا الانتقال من جنيف إلى أستانة كان مخططاً ذكياً رسمته روسيا ونفذته للتخلص من القرار الدولي 2254 الذي حدد حلاً سياسياً قبلته المعارضة على مضض، لأنه يخفض سقف مطالب الشعب السوري، من المطالبة برحيل النظام، إلى قبول المشاركة معه في هيئة حكم انتقالي، وقد وضعنا حداً لايمكن التنازل عنه، هو ألا يكون لرئيس النظام- والمجرمين الذين دمروا سوريا -أي دور في مستقبل سوريا، مع الإصرار على ملاحقتهم قانونياً، وقد اعتبرت روسيا أن هذا المطلب شرط مسبق، وبدأت تعطل مسارات جنيف بذريعته، وأصرت على رفض التعامل مع الوفد المفاوض، واشترطت دخول منصتي موسكو والقاهرة، وأبدت هيئة التفاوض مرونة في قبول ممثلين عن المنصتين.

ولم تكن بين الهيئة العليا ومنصة القاهرة ما يمنع التلاقي لأن الخلاف في رؤية التفاوض بسيط وقابل للتفاهم، بينما كانت الخلافات في الرؤية مع منصة موسكو جوهرية، فهذه المنصة بدت ممثلة لسياسة روسيا المدافعة عن النظام، وهي تسعى لتمكينه، وتعتبر الحديث عن رأس النظام شرطاً مسبقاً كما تراه موسكو، وقد طلبت هذه المنصة إبعاد من سمتهم متشددين في الهيئة العليا وتم ذلك، ولكن الذي حدث أن الهيئة الجديدة لم تستطع أن توافق على رؤية منصة موسكو رغم ترحيبها بها، فقد جاء بيان مؤتمر الرياض 2 مواكباً إلى حد مقبول للبيان الأول، وإن كان أقل تشدداً، لكن هيئة التفاوض الثانية رفضت المشاركة في مؤتمر سوتشي، وظهرت بين أعضائها تباينات جوهرية في المواقف. وقد تم إهمالها وإهمال مسار جنيف كله رغم الإشارة إليه دائماً في بيانات أستانة.

كانت عقدة التفاوض في جنيف من بدايته هي الرفض الروسي للحل السياسي عملياً رغم الموافقة النظرية، ثم رفض ديمستورا الحديث المباشر عن الانتقال السياسي، وكان من المفترض أن يبدأ المجتمع الدولي بتنفيذ قرارات مجلس الأمن حسب السيناريو المرسوم فيها بموافقة دولية، وأول الخطوات بناء الثقة، وقد حددت القرارات وقف إطلاق النار، وفك الحصار، والسماح بإدخال المساعدات الإنسانية، وإطلاق سراح المعتقلين، بكونها خارج عملية التفاوض وفوقه، لكن «ديمستورا» جعل هذه الخطوات موضوعاً تفاوضياً في جنيف، وكان الوزير كيري يحث المعارضة على أن تحول هذه الخطوات الفوق تفاوضية إلى طاولة التفاوض، ويومها بدأنا نشعر بأن الولايات المتحدة دخلت مرحلة التخلي، وأنها تعلن شيئاً وتخفي شيئاً أخر في موقفها، وهذا ما دعا وفد التفاوض إلى التأجيل (وهو انسحاب مرحلي)، وكان النظام وروسيا يصعدان الهجوم على شعبنا مع كل جولة تفاوض كما حدث في مضايا ثم في حلب، وبدأ ديمستورا بالتحايل على مسار التفاوض حين أعلن عن (السلال) التي بدأت ثلاثاً ثم أضيفت إليها سلة رابعة هي سلة الإرهاب التي أصر عليها النظام وروسيا لتكون ذريعة للتصعيد العسكري ضد الشعب السوري الذي يراه النظام شعباً إرهابياً شريراً يتمرد على حكم عادل وحكيم.

وفي يناير 2017 طرحت فكرة الفصل بين ملفات (ما قبل التفاوض) وبين عملية الانتقال السياسي، بحيث يناقش بعض العسكريين قضية وقف إطلاق النار وفك الحصار والمسار الإنساني وملف المعتقلين في مسار خاص في أستانة، وأن يتفرغ مسار جنيف لقضية الحل النهائي، وشعرنا بالريبة من ذلك، لأن ديمستورا لم يناقش الحل النهائي، وإنما راح يشغل الوفد بقضية الدستور والانتخابات، وهو يلبي بذك ما أعلن عنه الرئيسان ترامب وبوتين في بيانهما المشترك في فيتنام، حيث بدا أن الحل النهائي هو إخضاع مناطق سيطرة المعارضة للنظام الذي (رفض كل ما عرض عليه)، وبات يعتد كلياً على مساعدة روسيا وإيران في طغيانه العسكري.

لقد طالبنا دائماً بأن يكون مسار جنيف بمرجعياته القانونية الأممية موقع حل سياسي يقبله الشعب حسب القرارات الدولية، لكن الحسم العسكري الذي أعلنت كل الدول رفضها له، بات هو الحاسم بصمت دولي مريب. والمفجع أن يختصر حل القضية السورية بدستور على الطريقة اللبنانية وانتخابات على الطريقة العراقية.