محمد علي فرحات 

صوّتت «الفيفا» لمصلحة العرض المشترك الذي قدّمته الولايات المتحدة وكندا والمكسيك لاستضافة مباريات كأس العالم لكرة القدم 2026 على أراضيها. خبر طيب لأميركا الشمالية وجزء من أميركا الوسطى، لكنه لا يطوي الصدمة التي أحدثها كلام الرئيس دونالد ترامب قبل أيام للدول الصناعية الكبرى، فبعدما حضر مع رؤساء تلك الدول قمة كيبيك وأيد بيانها الختامي مسبقاً، غادر قبل اختتام الاجتماع بحجة انشغاله بلقاء زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون في سنغافورة، لكن ترامب بعث من بعيد برسائل تفيد بتراجعه عن بيان القمة، وفاجأ العالم بإضافة السيارات إلى لائحة زيادة الضرائب الأميركية على الألمنيوم والحديد الصلب. وعزا ترامب تراجعه المفاجئ إلى غضبه من كلام رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو حول استعداده لزيادة الضرائب على البضائع الأميركية من باب الرد بالمثل. فكيف لرئيس كندي أن يتساوى مع رئيس أميركي؟ لم يطرح ترامب هذا السؤال بل أوحى به. وفي العالم العربي استرجع المتابعون علاقة الرئيس السوري حافظ الأسد ومن بعده ابنه بشار برؤساء الجمهورية اللبنانيين، يحطّان من شأنهم إذا أطاعوا ويغضبان منهم ويتوعّدان بلدهم إذا تعاملوا بمساواة وندّية.


يقدم دونالد ترامب صورة جديدة للرئيس الأميركي، فهو وطني حتى المبالغة يريد الخير لأميركا على طريقته غير آبه بمصالح الآخرين. لكن وطنيته لا تترجم نفسها بالاعتزال إنما تقتحم العالم وتفرض نفسها على الجميع من دون أن تدفع فاتورة الزعامة كما كان الأمر في عهود رؤساء أميركا السابقين، بل إن ترامب، وفي جميع المناسبات، يصوّر نفسه في حلبة سباق مع باراك أوباما، راغباً من الشهود أن يؤكدوا فوزه عليه وعلى هيلاري كلينتون كما على سياسيي أميركا الديموقراطيين والجمهوريين.

اكتفى ترودو بالقول: «الكنديون مهذبون ويتّسمون بالعقلانية، لكننا لن نسمح بأن يتم تهديدنا والضغط علينا». لكن السياسيين في كندا ومعهم الصحافة وقادة الرأي العام أجمعوا على إدانة تصرّفات ترامب «غير المهذّبة» تجاه وطنهم، وفي طليعة هؤلاء ستيفن هاربر رئيس الوزراء السابق المعروف بأنه شديد المحافظة سياسياً ومقرب من الحزب الجمهوري الأميركي. ودافع الجميع عن كلام ترودو حول المعاملة بالمثل ضريبياً وتضامنه مع أوروبا، ولم يروا في تصرفه إهانة للولايات المتحدة كما يدّعي أنصار ترامب في الإدارة الأميركية.

ربما زاغ نظر ترامب فلم ير ترودو رئيساً لوزراء كندا بقدر ما اعتبره قائداً في الحزب الديموقراطي الأميركي حليفاً للرئيس السابق أوباما وللوزيرة السابقة كلينتون. الرجل يخوض معركة أميركية داخلية في أي محفل يحضره، سواء في مدينة كيبيك أو في سنغافورة. يتمحور اهتمامه على الناخبين الأميركيين ويكرر خطابه الموجّه إليهم: انظروا إلى نجاحي وتذكّروا فشل الرؤساء السابقين.

كأنه يفتتح أميركا جديدة هو أول رؤسائها ولا يعرف كيف يؤسس هذه الـ «أميركا» بما يرضي غالبية الشعب. لقد فاز بالرئاسة فقط لأن الشعب الأميركي سئم سياسييه التقليديين ولأن هيلاري كلينتون كانت نموذجاً للاعتداد بالنفس وتكرار الفشل داخلياً وخارجياً. وهو نجح حيث أسقط خصومه أنفسهم وليس لأنه يحمل الأمل ويقدم برنامجاً واضحاً. وربما نسي ترامب أو تناسى استطلاعات الرأي التي سبقت انتخابه رئيساً، وكيف أظهرت أن 28 في المئة من الأميركيين يفكرون في مغادرة وطنهم في حال فوزه، وأفادت «غوغل» في حينه بأن وتيرة السؤال «كيف أستطيع الهجرة إلى كندا» على محرك بحثها ارتفعت عند فوزه بنسبة 350 في المئة.

بعد موقف ترامب في قمة كيبيك ونشوته أثناء مصافحته زعيم كوريا الشمالية، صار مطروحاً على أصدقاء أميركا وخصومها التأثير السلبي لتصرفات هذا الرئيس المزاجية تجاه شؤون عالمية مهمة، مثل الأمن والاقتصاد. وربما تكون الولايات المتحدة في عهده على مفترق طريقين، الانعزال والانفتاح، فهو لن يستطيع طويلاً السير على طريقين في وقت واحد. ولعل المعنى العميق لتصادمه مع جاستن ترودو هو أن ترامب يمثل وطنية أميركية تفرض الاندماج على المهاجرين، في حين أن ترودو وسائر سياسيي كندا اليوم يمثلون امتداداً لبيار إليوت ترودو في اعتبار التعددية الثقافية نهجاً للمجتمع والدولة في كندا: أين يقع الحلم الأميركي حقاً؟