سمير عطا الله

أرادت جاكلين كيندي أن تعطي البيت الأبيض في عهد زوجها صورة الفن والثقافة، لأن لديه ما يكفي من صور الحروب والسياسة. وكانت هذه أيضاً نقطة ضعف جون كيندي، الذي أحاط نفسه مذ كان عضواً في مجلس الشيوخ، بالمثقفين والمؤرخين والفنانين. وكان أول ما فعلته جاكي بعد الفوز، أنها أمرت بتغيير جميع معالم المبنى من الداخل. ثم فكرت في حدث لا سابق له في تاريخ الرئاسة واستفتت في ذلك المستشارين، فاقترح أحدهم (ريتشارد غودوين) عام 1961: «ماذا عن مأدبة عشاء يدعى إليها جميع الأميركيين الفائزين بجائزة نوبل».

تحولت الفكرة إلى الحدث الأكثر ألقاً... لكن ليس من دون بعض المضايقات؛ إذ يروي جوزيف ديسباسيتو في كتابه «عشاء عند كاميلوت» أن أرملة إرنست هيمنغواي وزوجته الرابعة ماري، جلست إلى يمين الرئيس، الذي شكا لاحقاً من أنها «أكبر مملة التقيتها منذ زمن طويل». لكن عزاء الرئيس، كما روى، كان في الضيفة الجالسة إلى يساره كاترين مارشال، أرملة جورج مارشال، القائد العسكري في الحرب العالمية الثانية، وصاحب مشروع إعادة إعمار أوروبا بعد الحرب. قال كيندي: «لولا الميسز مارشال لما استطعت النوم تلك الليلة».

حضر العشاء 127 مدعواً توزعوا على 19 طاولة؛ بينهم 49 من حائزي جوائز نوبل وزوجاتهم، وكان هناك كَندي واحد هو ليستر بيرسون، الذي منح «نوبل السلام» عام 1957 بسبب دور الوساطة الذي قام به خلال العدوان الثلاثي في السويس. ثلاثة من حملة «نوبل» غابوا بسبب الوفاة: سنكلير لويس، وأوجي أونيل، وهيمنغواي. وغاب ويليام فوكنور لأنه كان مريضاً على بعد مائة ميل من الحفل. كما غاب جون شتاينبك الذي مُنح «نوبل الآداب» في وقت لاحق من ذلك العام. ولم يدع إلى الحفل الشاعر «تي إس إليوت»؛ المولود في بريطانيا، والحائز لاحقاً الجنسية الأميركية.

قبل فترة دار نقاش بين مفكر «المصري اليوم» صاحب الاسم المستعار «نيوتن»، وبين عدد من كبار قرائه، حول مفهوم الديمقراطية، ودور «الآباء المؤسسين» في صياغة الدستور الأميركي والخيار الديمقراطي الذي تبنوه. ولاحظ «نيوتن» مع الذين كتبوا إليه أن القاسم المشترك الأكبر بين «المؤسسين» أنهم كانوا أهل فكرٍ وعلم وأدب، رغم أن كبيرهم جورج واشنطن، كان عسكرياً. ومنذ تلك الأيام؛ أي منذ اليوم الأول، حاول البيت الأبيض دائماً الانتساب إلى أهل الفكر. وعندما اغتيل أبراهام لينكولن؛ أمير الرؤساء، كان يحضر مسرحية. غير أن أحداً لم يجمع حوله ذلك العدد الكبير من أهل الفن والفكر كما فعل جون كيندي. والمؤسف أن ولايته اغتيلت في بداياتها. أما أرملته فأمضت بقية حياتها موظفةً كبيرة في دار للنشر تعيش بين الكتب، قارئةً ومحررة، وتتذكر ذلك اليوم الذي قضى فيه قاتل سخيف على أحد ألمع زعماء العالم.