السيد أمين شلبي

بعد سلسلة من التصريحات المتناقضة، قبل لقائه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حول تصوره لروسيا ورئيسها وتصوره للعلاقات معها، فاجأ الرئيس الأميركي دونالد ترامب المؤتمر الصحافي الذي عقد بعد قمة هلسنكي بأن أربع ساعات استغرقتها تلك القمة غيّرت العلاقات بين القطبين.

التصريح يعكس شخصية ترامب المتقلبة التي تفتقر دائماً إلى الدقة، فلا أحد يتصور أن أربع ساعات جمعت الرئيسين ستزيل تعقيد القضايا العالقة بين البلدين، وهو ما يفسر عدم صدور بيان مشترك يحدد ما بحثه الجانبان. وواضح أن ترامب لم يضع في اعتباره القوى التي تنتظره في واشنطن، ما بين الكونغرس بما يضمه من جمهوريين وديموقراطيين يتربصون تاريخياً بروسيا، فضلاً عن تربصهم به شخصياً، وعناصر مسؤولة في الاستخبارات تصرح بأنه ليس ثمة شك في تدخل روسيا في انتخابات الرئاسة الأميركية الأخيرة. وحين كان ترامب في هلسنكي، صرّح بول رايان، رئيس مجلس النواب وغريمه خلال انتخابات الرئاسة أن على الرئيس الأميركي أن يتذكر «أن روسيا ليست حليفتنا، وأن هناك مسافات بعيدة تفصل روسيا عن القيم الأميركية والنظام الأخلاقي الأميركي».

أما زعيم الديموقراطيين في مجلس النواب، فقد وصف سلوك ترامب في لقائه مع بوتين بأنه «خطير ومعيب وضعيف». ووصف جون ماكين المرشح الجمهوري السابق وعضو مجلس الشيوخ الأمر نفسه بأنه «الأكثر سوءاً من أي رئيس أميركي في الذاكرة». 
أما عضو الكونغرس المخضرم نوت غينغريتش، فقد اعتبر قمة هلسنكي «واحدة من أخطر أخطاء ترامب الذي أظهر أنه مستعد لأن يبيع الديموقراطية الأميركية من أجل مكسب شخصي». وقال النائب ويل هرد الجمهوري عن تكساس إنه «لم يفكر يوماً أنه سيرى رئيساً أميركياً تتلاعب به الاستخبارات الروسية».

فهل يُذكّر هذا وما سيتطور إليه موقف الكونغرس من محاولات التقارب مع روسيا بخبرة تاريخية عندما شرع ريتشارد نيكسون في بناء علاقات جديدة مع الاتحاد السوفياتي وعقد خلال مؤتمرات القمة سلسلة من الاتفاقات، وهو ما لم يرضِ القوة المناهضة لسياسات نيكسون في الكونغرس الذي أصدر، وعملية الوفاق في تطورها، ما يُعرف بقانون «فانك جونسون» الذي يربط بين ما كان نيكسون اتفق عليه مع السوفيات من منحهم وضع «الدولة الأكثر رعاية» وبين سماح الاتحاد السوفياتي بهجرة اليهود السوفيات إلى إسرائيل، وكان هذا القانون الحلقة الأولى في تراجع عملية الوفاق. 

تحدث هذه المواجهة بين ترامب والكونغرس مع اقتراب الانتخابات التجديدية في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، وستكون مؤشراً ليس فقط عن رضا الناخبين عن سلوك ترامب في هلسنكي بل عن أدائه عموماً. وشرع كتاب وباحثون في رصد الخطوات التي يمكن أن يتخذها الكونغرس رداً على سلوك ترامب في القمة، وكان من أبرز هذه الخطوات توسيع وتجديد العقوبات الاقتصادية على روسيا، التي كانت وستظل أكثر توقعات بوتين من القمة وما بعدها، بعد أن أدان جون برنان مدير الاستخبارات المركزية السابق ترامب ووصفه بأنه أصبح في شكل كامل في «جيب بوتين»، ناشد الوطنيين الجمهوريين: أين أنتم؟ وسأل توماس فريدمان الناخب الأميركي: «هل أنت مع ترامب وبوتين أم مع أجهزة الاستخبارات الوطنية؟».

* كاتب مصري