&صالح القلاب

&كم منزل في الأرض يألفه الفتى

وحـنـيـنـه أبــداً لأول مـنـزل

رحم الله أبا تمام، فالمؤكد لو أنه لم يكن من أبناء مرحلته ولو أنه من أبناء هذه المرحلة، فما قال هذا الذي قاله، ولقال: "وحنينه أبداً لآخر منزل.."، وهكذا فإنه عليَّ في هذا اليوم، وهو أول يومٍ في العام 2019، أن أشير إلى أن المنازل الصحافية التي نزلتها قبل أن أنزل منزل "الرياض" كثيرة ومتعددة، فقد بدأت وليوم واحد في أسبوعية عربية كان رئيس تحريرها الصديق القديم جداً جان ألِكْسان، ثم إلى صحيفة "السفير اللبنانية"، ثم إلى مجلة "المجلة" التي لا يزال مكانها في سويداء القلب، ثم إلى "الدستور" الأردنية، ثم إلى "العرب اليوم" التي كنت رئيس تحريرها، ثم إلى "الشرق الأوسط" كاتب مقال أسبوعي، ثم إلى "الرأي" الأردنية، ثم إلى جريدة "الجريدة" الكويتية وقبلها إلى "الوطن" عندما كان رئيس تحريرها محمد مساعد الصالح وأحد كتابها الرئيسين الصديق الراحل أحمد الربعي - رحمه الله -.

لقد جذبتني "الرياض" الصحيفة لأنها صدرت في الرياض العاصمة من العام 1965، وللرياض العاصمة في قلبي، والمفترض في قلب كل عربي، مكانة كبيرة لأنها عاصمة العرب كلهم ولأنها تجاور "الدرعية" التي كلما زرتها ومررت بها أتخيل "ظعن" قبيلتي ينطلق من جوارها متوجهاً نحو "نهاوند" و"ذي قار" ونحو بغداد الرشيد ونحو دجلة والفرات، ثم منها نحو جبال الشراه في الغرب ثم الانطلاق نحو الشمال حيث "جلعاد" و"عمون" وعجلون وجرش وحيث العالوك والمدْور.

ثم وقد جذبني إلى "الرياض" هذه الصحيفة الغراء فقيدنا الكبير تركي السديري "أبوعبدالله" بطيبته ونقاء سريرته واتساع قلبه - رحمه الله - وقبل هذا كان جذبني إلى "الرياض" المدينة هذا القائد العروبي الكبير، - أمد الله في عمره - عندما كان أميراً لها وأيضاً أميراً لأسرة القلم في الوطن العربي كله الذي كان يراجعني هاتفياً، كما كان يراجع غيري، ببعض المقالات التي كنت أكتبها إنْ في "الشرق الأوسط" وإنْ في "الرأي" الأردنية.. متسائلاً عما أعنيه ببعض ما كتبته وما هو المقصود بمن أشرت إليه في بعض الجمل والفقرات.

كنت كلما زرت "الرياض" العاصمة، وكانت زياراتي إليها متلاحقة وكثيرة إذْ أنه لا بد منها وإن طال السفر، كنت أزور "الرياض" الصحيفة لأقوم بواجب مهني وأدبي وكان "أبوعبدالله"، الذي هو وبكل حقٍّ شيخ صحافيي الوطن العربي، بمشرقه ومغربه، يستقبلني وكأنني شقيقه ابن أمه وأبيه الذي غاب عنه سنوات طويلة.. كان يرافقني للمرور على الأقسام كلها، وكان هو من عرَّفني على هؤلاء الزملاء المبدعين الذين أصبحوا ليس مجرد زملاء مهنة، وإنما إخواناً عندما أراهم وكأنني أرى أهلي وإخواني والذين يشرفني أنني قد انضممت إلى أسرتهم هذه التي دأبتْ على تحقيق إنجازات يومية على مستوى من ينجزون أهم الصحف العالمية.

لقد أصبح حنيني لهذا المنزل، مع الاعتذار للشاعر الكبير حبيب بن أوس بن الحارث الطائي، وليس لأول منزل، فالرياض المدينة لم تشعرني إلا أنها عمان و"الرياض" هذه الصحيفة الغراء لم أشعر في أي يوم زرتها فيه إلا أنها كل الصحف التي مررت بها والتي لا أزال أواصل مهنة المتاعب فيها.. أنا الآن وبكل اعتزاز وفخر في هذه "الرياض" التي هي بمثابة كل هذا العدد من الروضات الإعلامية والصحافية في الوطن العربي كله.. والله سبحانه وتعالى الموفق.