عبدالله بن بخيت

& فكرة مشروع صفقة القرن هي من أفضل الفرص التدريبية لمن يريد أن يتعلم كيف يتم توليد الخرافات والترويج لها وتحقيق الأرباح من ورائها. آلية بناء نظرية المؤامرة هي نفس آلية بناء الخرافات. لكي تصدق بنظرية المؤامرة عليك أولا أن تمتلك عقلا قابلا لتصديق الخرافة.

لو قدر لك أن تسمع التحليلات السياسية وخطب الجمع في بعض المساجد التي كانت تؤكد باسم العروبة وباسم الدين أن القوات الأميركية جاءت إلى بلاد الحرمين لا لتحرير الكويت بل لاحتلال منابع النفط لآمنت بما يقولون. قد ترى أن هذا سخيفا وساذجا الآن لأنك تقرأه كحادثة تاريخية نتائجها بين يديك.

يروج الإعلام القطري أن الولايات المتحدة الأميركية والسعودية وبعض الدول يخططون لصفقة سياسية تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية. عندما تقرأ الصحف والقنوات الفضائية والمواقع على النت المدعومة من قطر وتتابعها بانتظام سوف تصيبك الريبة بوجود شيء حقيقي اسمه صفقة القرن.

لم تعد هذه الوسائل الإعلامية تتحدث عن صفقة القرن كمشروع. دخلت في التفاصيل والأسماء والمتهمين والخرائط وسربت عددا من الزيارات السرية والمبالغ التي سوف تدفع واستشهادات من صحف عالمية لا يمكن أن تعود إليها لتتأكد من صحتها. هذه التفاصيل والضجيج الذي يصاحبها تصرف ذهنك عن السؤال الأساسي (أين صفقة القرن). اختراع تفاصيل والغوص في تحليلها يحطم قدرة العقل المرتهن للخرافة على النظر إلى الواقع

نحن لسنا أمام قوة إعلامية ضخمة تقودها قطر نحن أمام متلق مدرب على قبول الغيبيات الساذجة والخرافات دون تمحيص أو بحث أو على الأقل الاحتفاظ بالسؤال الأساسي متقدا.

لا يمكن فصل الترويج لنظرية المؤامرة عن الترويج للأساطير بل هما وجهان لعملة واحدة. العقل الأسطوري لا يفكر بنفسه. دائما في انتظار العقل الجمعي ليفكر نيابة عنه. وهذا العقل الجمعي يقوده الإعلام في الحاضر أما في عالمنا فيقوده الإعلام ورجل الدين معا.

لو بحثت في منابع الأساطير سترى أنها تغذت بقوى سياسية ولأهداف سياسية. الفئة التي تروج للأساطير والخرافات في المجتمع تعد المجتمع لقبول الدعايات الزائفة.

الإنسان الإنجليزي على سبيل المثال لا يمكن أن يتقبل عقله شيئا اسمه صفقة القرن كمشروع لا يرى دليلا عليه على أرض الواقع. هو نفس الرجل الذي سيرفض أن يأتيه شيخ ويقول له إن الجن يأكلون رز. من يؤمن أن الجن يأكلون رزا دون أن يطلب من الشيخ دليلا واقعيا سوف يؤمن بسهولة بوجود مشروع أميركي سعودي اسمه صفقة القرن.