ألمانيا تعيد النظر فى تقييمها لتنظيم الإخوان المسلمين

& أحمد عبد المقصود

&لسنوات طويلة كانت الأراضى الألمانية حاضنة لتنظيم الاخوان المسلمين، حيث اعتبرت التنظيم جماعة مسالمة تسعى لفعل الخير ونشر السلام بين الناس..وفرت لهم الملاذ الآمن وكانت سندا قويا لهم فى مواجهة الشعب المصرى الذى أطاح بهم من سدة الحكم، والآن انقلبت برلين على التنظيم، واعتبرته أخطر من تنظيم داعش والقاعدة.

&فما الذى حدث حتى يفترق الجمعان؟ ولماذا لم يتم تصنيفهم حتى الآن كجماعة إرهابية؟ منذ ما يقرب من 5 سنوات رفضت برلين الاستماع لصوت الثورة المصرية وسدت أذنيها وأغمضت أعينها عن الجرائم التى ارتكبوها خلال وبعد رحيلهم عن الحكم..بل أصدرت قرارا بوقف تصدير الأسلحة إلى مصر وتجميد الاتفاقات الثنائية بمبادلة الديون..

وقامت بشحذ أوروبا لوقف أوجه الدعم للقيادة المصرية الجديدة التى اختارها الشعب. وإمعانا فى سياسة المساندة والاحتضان سمحت ألمانيا لعناصر من جماعة الإخوان المسلمين بإدارة المساجد والمراكز الدينية فى مختلف الولايات.. وفتح مدارس إسلامية بدعم من الحكومة الألمانية. ولكن بعد سنوات العسل بدأت برلين تكتشف بنفسها أن جماعة الإخوان المسلمين أصحاب فكر متطرف يدعو إلى الإرهاب ويحض على العنف..وبدأت التقارير تتوالى من مختلف الولايات تحذر من الخطر المتنامى للجماعة وأدركت برلين&مخاطر الإسلام السياسي.. الذى يهدف إلى «أسلمة المجتمع الأوروبي» من قبل الجماعة والعمل على إيجاد فجوات ما بين الجاليات العربية والإسلامية واستقطاب الشباب وطلبة المدارس من خلال «حجة» تقديم العون والدعم ومساعدة الأسر بتربية وتعليم الأولاد.

خلال هذه السنوات ولأول مرة قامت دائرة حماية الدستور الألمانية فى ولاية بافاريا بإصدار أول تقاريرها الذى اعتبره المراقبون مفاجأة سوف تقلب معايير الإستراتيجية الألمانية تجاه الإخوان المسلمين&&فبعد أن كانت تقيمهم كتنظيم معتدل ينأى بنفسه عن العنف.. جاء هذا التقرير ليؤكد انهم جماعة تتستر تحت عباءة الدين من أجل تحقيق أهداف سياسية يتم تحقيقها انطلاقا من ألمانيا..&وأن هذه الأهداف لا تختلف عن الأهداف التى رسمها حسن البنا فى عشرينيات القرن العشرين، وهى أسلمة المجتمعات وتأسيس نظام اسلامى يعتمد الشريعة فى قوانينه. وأشار المراقبون هنا إلى أن نشاط الإخوان فى شبكات التواصل الاجتماعى يهدف إلى توسيع نفوذ التنظيم كما أن تعليقاتهم تعكس التعاطف الشديد مع التنظيمات الإرهابية..هذا بالإضافة إلى نشاطهم الملحوظ فى أوساط اللاجئين..

ويؤكد المراقبون ان تقاربهم مع اللاجئين بحجة مساعدتهم فى الترجمة لهم أمام دوائر الهجرة كان خطا أحمر لفت انتباه أجهزة الاستخبارات. ولفت المراقبون أيضا فى هذا الصدد إلى أحد تصريحات وزير داخلية بافاريا بيكشتاين الذى قال خلال مؤتمر صحفى بمناسبة إطلاق حملات تفتيشية على المساجد التابعة للإخوان «ان الولاية لن تنتظر إلى أن يكمل المتطرفون صناعة قنابلهم» وقال أيضا فى مقابلة تليفزيونية آنذاك إن لديه أدلة على تورط بعض المراكز الإسلامية فى تجنيد المتشددين، واتخاذهم منابر هذه المراكز للتحريض ضد الشعوب الأخرى. وقام بغلق المدرسة الألمانية الإسلامية فى ميونيخ باعتبارها واجهة لهم.

وتعليقا على التقييم الجديد للإخوان&قالت زيجرد هيرمان الخبيرة فى الشئون الإسلامية لصحيفة «سبوتنيك دويتشلاند» إن الجماعة لم تعدل الفقرة حول دولة تأسيس دولة «داعش» فى برنامجهم إلا عام 2017. وأضافت انهم فى ألمانيا يحاولون التقرب من الأحزاب والشخصيات السياسية لخدمة أهدافهم.&استخدموا لتحقيق ذلك وجهين: الأول يطرح نفسه بأنه يسعى إلى السلام والحوار والتفاهم بين الأديان..أما الوجه الآخر يروج لأهداف سياسية بشكل علنى فى البلدان العربية والإسلامية.. ويحاول تعزيز نفسه فى المجتمعات الإسلامية من خلال المشروعات الاقتصادية والاجتماعية، وهذا ما يفعلونه فى ألمانيا والغرب أيضاً.

من ناحيتها، اعتبرت البروفيسور زوزانة شروتر من مركز الأبحاث الإسلامية فى فرانكفورت الإخوان أساتذة فى التخفى.. سواء على صعيد العمل التنظيمى أو الأهداف السياسية.. وقالت الباحثة لصحيفة «بيلد» اليومية الواسعة الانتشار إنهم يصبحون أكثر صراحة فى الحديث عن أهدافهم السرية كلما تعزز موقفهم السياسي. لكنهم يفضلون الظهور بمظهر المتسامح والمتفهم حينما يشعرون بأنفسهم ضعفاء أو أقلية فى مجتمع ما مثل المجتمع الألماني. وأشارت صحيفة «دى فيلت» أيضا إلى أن أفراد الجماعة بدأوا فى النزوح بشدة إلى ألمانيا بعد عزل محمد مرسى من حكم مصر..ونقلت عن تقرير الجهات الأمنية أن الجمعية الإسلامية فى ألمانيا تضم نحو 13000 عضو.. وأنشطتها تغطى جميع أنحاء البلاد..وذكرت الصحيفة أيضا أن الإخوان استغلوا الجمعية الإسلامية بكولونيا فى التحريض السياسى منذ أكثر من 3 سنوات لتبييض وجه الجماعة فى الغرب.

ما يؤكد صدق تحليلات المراقبين وكذلك ما تم نشره على صفحات كبريات الصحف الألمانية هو التقرير الذى أصدرته الاستخبارات الألمانية أخيرا والذى أعتبرهم أخطر من تنظيمى داعش والقاعدة..وأن وجودهم فى ألمانيا خطر على أمنها وعلى ديمقراطيتها. ويقول المراقبون تعقيبا على هذا التقرير إن السلطات الأمنية انتابها القلق من التأثير الكبير للتنظيم على المجلس الأعلى للمسلمين فى ألمانيا.. وحذروا من أنه على المدى المتوسط&&قد يصبحون خطرا أكبر على الديمقراطية الألمانية مقارنة مع الوسط السلفى الراديكالى الذى يدعم أتباعه تنظيمات إرهابية مثل القاعدة أو «داعش».

ولكن من الواضح هنا أن ألمانيا بدأت الانقلاب على الإخوان عقب تولى هوريست زيهوفر حقيبة وزارة الداخلية، حيث نجح بالفعل فى الكشف عن الوجه الآخر لهذا التنظيم ومنذ أن تولى منصبه أصبحت حملات الشرطة على مراكز الاخوان لا تهدأ ولعل كان آخرها الاسبوع الماضى، حيث&أمرت النيابة العامة بتفتيش مسجد الصحابة فى أحد الأخياء بالعاصمة الألمانية برلين.. وذلك على خلفية معلومات مؤكدة عن قيام إمام المسجد المسمى «أبو البراء» بمد المقاتلين فى سوريا بالأموال لتنفيذ أعمال إجرامية إرهابية.

وأكد المراقبون أيضا أن هذه الحملات سوف تستمر، حيث إن السلطات الألمانية تعتزم بالفعل فحص أنشطة جميع المساجد التى تديرها جماعة الإخوان المسلمين أو الجمعيات التى لها صلة بها..وذلك تخوفا من تأثير الجماعة على اللاجئين. المهم انه فى نهاية الأمر وبعد هذه السنوات توصلت ألمانيا إلى الأسباب التى دفعتها لشن الحرب على التجمعات التابعة لتنظيم الاخوان ولعل من أبرزها أن&جماعة الإخوان المسلمين هى المصدر الرئيسى للأيديولوجية المتطرفة المستخدمة من قبل الجماعات الإرهابية.. وأن&كثيرين من كبار قادة تنظيم القاعدة لا سيما أيمن الظواهرى ثم بعض قادة تنظيم داعش هم من الأعضاء السابقين فى جماعة الإخوان المسلمين..&بالإضافة إلى أن&تاريخ جماعة الإخوان المسلمين ملىء بكثير من أعمال العنف والإرهاب.. بما فى ذلك حوادث الاغتيالات السياسية والعمليات المناهضة للدولة فى مصر.

جميع الشواهد والتقارير الأمنية أكدت أن جماعة الاخوان المسلمين عبارة عن تنظيم يقف وراء جميع الجماعات الإرهابية ويعتبر الأب الروحى لها..بل إن أجهزة الاستخبارات الألمانية استطاعت أن تضع يدها على أدلة توكد سعيهم لإقامة دولة إسلامية بقوة السلاح والإرهاب..ورغم&&ذلك لم تقم برلين إلى الآن بتصنيفها كجماعة إرهابية على غرار العديد من الدول الأخرى..سؤال لم تستطع حكومة برلين الإجابة عليه وربما الإجراءات التى اتخذتها أخيرا تجاه هذا التنظيم تقودها فى نهاية الأمر إلى اتخاذ هذا القرار. &