&محمد المزيني&

المواطن دائما يحرز انتصاراته المتعاقبة على كل شيء قد يعطل صيرورة التقدم، ويثبت أنه يقف الى حكومته برباطة جأش وتضحية كاملة كي تتخطى كل العقبات، لا احتاج هنا الى احصاء انتصارات المواطن لوطنه وحكومته، ما لفتني مؤخرا أن المواطن لا ينتصر فقط ابان الأزمات او الفواجع كوقفته الصارمة في الحروب التي خاضتها السعودية ضد الطغيان والتمرد والخروج سياقات الأمن والاستقرار، بل اتحدث أيضا عن قدرة المواطن على الحب الخالص الذي يدفعه لأن يضحي بجهده ووقته وماله من اجل المحافظة على تاريخه وآثاره التي كانت عرضة للزوال والتلاشي تحت ضغط تقادم الزمن وعدم الاكتراث.


وهو، اعني المواطن، يقوم بهذه المهمة دون التطلب أو انتظار الدعم من أي جهة كانت ثم نراه يقوم بما لم تستطيع مؤسسات مدعومة بميزانيات كبيرة مخصصة لصرفها على مثل هذه المشاريع أقصد المحافظة على التراث الوطني، ثم لا تسأل عمن دفع او أنجز لأن الخلاصة تقول باختصار هو المواطن العاشق لوطنه الذي لم يتوقف دوره عن بناء الحاضر بل عاد الى التاريخ واستحضره بكل تفاصيله الصغيرة كي يبقى شاهدا وحيا على مآثر اجداده الذين أفنوا حياتهم كي تبقى أمجاد هذا الوطن حاضرة في أذهان الأجيال المتعاقبة، زكان الحكمة تعيد نفسها لتقول ما لم تستطع اعادة ترميم الماضي واستلهام روائعه فأنك لن تستبصر المستقبل بعين متفتحة وقلب محب وعقل متفتح، فهذه القرى القديمة شاهدة على حب المواطن لوطنه وتشبثه بتراثه، فقد اعاد احياءها وبناءها، حتى باتت واقعا حقيقيا ينطق بلغة الماضي.

تجولنا بحثا واستقصاء على كثير من القرى التاريخية التي تستوعب احداث الدراما الاجتماعية القديمة فمن قرية سدوس التاريخية التي بدا ترميمها من خلال مشروع تضامني خيري بين اهالي سدوس عام 2014 الى قرية اشيقر التاريخية ثم انتقلنا القرية التراثية بعيون الجواء مرورا ببلدة المذنب القديمة ومنها الى رياض الخبراء القديمة وكذلك قرية الخبراء القديمة، ولا ننسى المتاحف الخاصة التي ضمت كثيرا من المقتنيات التاريخية القديمة، بحثا عن نماذج من الملابس والاكسسوارات التي ستخدمنا في اتمام عملنا، لتمثيل الشخصية النجدية القديمة على الوجه الأكمل.

ثمة حلقة مفقودة ما بين الجهود الذاتية والرسمية لو استكملت لتجاوزنا كثير من التعب وهي المتحف الشامل الذي كنا ولا نزال ننتظره من هيئة السياحة والتراث الوطني، ليكون المرجع المعتمد عند طلب الاستشارات، احدى الباحثات السعوديات جاءت الى من جامعة مانشستر الى الرياض تبحث عن الازياء السعودية القديمة، وبدت المعاناة الأولى التي كانت في استقبالها تكمن في شح المصادر المعرفية عنها، لجأت الى هيئة السياحة والتراث فلم تعثر على ما يعبئ جعبتها من المعلومات المفيدة، لتلجا الى المتاحف الخاصة المغلقة، التي ضاع الوقت في البحث عنها وعن المسؤولين عنها، لإتاحة الفرصة لزيارتها، فضاع الوقت ما بين الترتيب والوقت الذي تحتاجه لدراسة كل مقتنياتها فلم تخرج مع شديد الأسف بالشيء الكثير.

لذلك نحن اليوم بحاجة ماسة الى متحف وطني يقوم من خلال فرق متخصصة لتصميم وإنشاء قواعد بيانات كاملة، مع تفاصيل معلوماتية دقيقة لتراثنا ومقتنياته ومواقع تواجدها مع صور كاملة، كما ان عليها أن تقوم بايجاد شبكة تواصل مع كل هذه المتاحف والقرى التاريخية من اجل ايجاد الية معقولة للإفادة منها على الوجه الأكمل، مالم تقم هيئة السياحة والتراث بهذا فإنها لن تستطيع ان تقدم شيئا يذكر لها وتشكر عليه مستقبلا، هذا مع ايماني المطلق بضرورة تأسيس هيئة مستقلة للتراث الوطني لتخفف هن هيئة السياحة ثقل ملف التراث الذي الزمت نفسها به دون انجاز يستحقه التراث.