& &حمد الكعبي

ورثت مصر المسلّة من تاريخها الفرعوني، والمنارة من عهودها المسيحية، وارتفعت على أرضها المئذنة، بعد انتشار الإسلام في القرن السادس الميلادي، وقد أشار البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، هذا الأسبوع، إلى دلالات تعاقب الأديان والحضارات، بصفتها قواعد أساسية للتسامح والعيش المشترك، إذْ لا بدائل، سوى الموت والفوضى.
مصر عاشت الأحد الماضي، حدثاً لا سابق له في التاريخ، حيث تزامن افتتاح مسجد الفتّاح العليم، مع كاتدرائية ميلاد المسيح، وتبادل شيخ الأزهر د. أحمد الطيب، والبابا تواضروس كلمتين في المسجد والكاتدرائية، أظهرتا تحالف المصريين ضدّ الاحتراب الطائفي، الذي تزايد بحدة، منذ العام 2011، وأدمى السلم الأهلي، في أعقاب صعود موجات التكفير والإرهاب، في مصر والعالم العربي.
انكسرت موجة الإرهاب، أو تكاد، من حولنا، ولا يزال ثمة جهد كبير، ينبغي التصدي له، بعد كساد تجارة الإرهابيين في استثمار ضعيف النصوص والمراجع، وتحويله إلى عنف دموي، وتوحش ذهني، وثقافة موت، ولعل افتتاح مسجد وكاتدرائية في آن، حدث رمزي، سيكون له ما يكون من مراجعة عصرية شاملة لموروث من التعصب، ونقده، وإحلال مبادئ القبول والتسامح واحترام التعدد، بأشكاله كافة.
وكان لافتاً الحكم الشرعي، الذي تحدث به شيخ الأزهر، في افتتاح الكاتدرائية، بحكمة وشجاعة، تنقصان كثيراً من الفقهاء المعاصرين، وهو يقول: «فيما يتعلق بالكنائس وموقف الإسلام منها، فإن الإسلام ضامن شرعاً لكنائس المسيحيين ولمعابد اليهود»، وزاد إن «الشرع يكلف المسلمين بحماية المساجد، وبالقدر ذاته، يكلفهم بحماية الكنائس».


الأمر يتعلق بالمصلحة، وبالوحدة الوطنية بين المسلمين والأقباط في مصر، ومثل هذا الحكم الشرعي، يبدد مئات الفتاوى الظلامية، التي أشاعت مناخات من الكراهية والاحتقان الطائفي، انتهزها الإرهاب في السنوات الثماني الأخيرة، حتى نزف المصريون دماء عزيزة في تفجيرات متلاحقة، طالت الكنائس ومصليها، ولولا محاولات القيادات الروحية والثقافية تدارك نتائجها، لتعمّقت الشروخ الاجتماعية، على نحو مؤسف.
الحدث المصري، تزامن أيضاً مع احتفالات الأقباط الأرثوذكس، بعيد الميلاد المجيد، والتقط البابا تواضروس الثاني، أثناء حضوره افتتاح مسجد الفتّاح العليم، أهمية القبول المتبادل بين أتباع الديانات السماوية، ونسيان صراعات التاريخ، قائلاً: «نشهد مناسبة غير مسبوقة، حيث نرى ونشاهد مآذن هذا المسجد الكريم، تعانق منارات كاتدرائية ميلاد السيد المسيح».
هكذا، فإنّه لا جدوى من نسخ الماضي، والأجدر طيّ الباهت من صفحاته، وفتح كتاب المستقبل، على أن يكون التسامح سطره الأول.

&

&