هاني الظاهري

حوادث هروب الفتيات من أسرهن ليست ظاهرة جديدة في هذا العالم، بل هي قديمة قدم التاريخ نفسه، وليست مرتبطة كذلك بشعب ما أو بقعة جغرافية ما، لكن عندما تكون الفتاة الهاربة سعودية يُصبح الأمر خبراً عالمياً تتناقله وكالات الأنباء بسبب حملات التشويه الدولية التي تستهدف هذه الدولة وتُدعم بشكل جنوني من خصومها.

تابعت كما تابع غيري الضجة التي أثيرت حول قضية الفتاة السعودية الهاربة من أسرتها إلى تايلند، وتابعت كذلك تغريدات تلك الفتاة عبر حسابها في تويتر، والتي اتضح لي منها أنها مراهقة غاضبة من كل شيء، كعادة معظم المراهقين في هذا العمر، وسواء كان ادعاء تعرضها للعنف صحيحاً أو لا، لا يمكن في تصوري أن يكون هذا سبباً حقيقياً لهروبها خارج البلاد، فهناك جهات مختصة في السعودية كهيئة حقوق الإنسان، وبرنامج الحماية الأسرية، ووزارة العمل والتنمية الاجتماعية تعتبر ملجأ أميناً ومخلّصاً فاعلاً لكل من يتعرض للعنف، وكثيراً ما حوكم آباء وأمهات بسبب تعنيف أبنائهم، ولطالما تمت حماية من تعرضوا للعنف وتوفير السكن والدعم المالي لهم، ولو كان ادعاء الفتاة الهاربة صحيحاً فلماذا لم تتقدم ببلاغ واحد للجهات المختصة عن حالتها لتتم حمايتها ومعاقبة معنفها؟!

يعرف كل متابع لشبكات التواصل الاجتماعي أن هناك جهات ومنظمات وأفراداً خارج السعودية يعملون ليلاً ونهاراً على خداع المراهقات السعوديات واستدراجهن بالوعود الوردية وتشجيعهن على الهرب من أسرهن ووطنهن في جنح الظلام، وهم يستهدفون هذه الفئة تحديداً لمعرفتهم بحبها للمغامرة وبحثها عن إثبات الذات، تماماً كما كان يتم استدراج الشبان المراهقين لمناطق الصراعات باسم الجهاد والبطولات الكاذبة، ولذلك فهناك مسؤولية كبيرة على الأسرة السعودية لتوعية أبنائها وبناتها، ولعل هذه الحادثة وشبيهاتها تدفع الجهات المختصة سريعاً لإطلاق حملات توعوية تبين حقيقة الجهات المشبوهة التي تستدرج المراهقات السعوديات وتتلاعب بعواطفهن وعقولهن عبر وسائل التواصل بدلاً من اللوم والشجب والاستنكار فقط.

العالم يتغير ولم يعد بإمكاننا إغلاق الأبواب والنوافذ على أبنائنا وبناتنا لحمايتهم من كل خبيث ومخادع، فوسائل التواصل بخيرها وشرها أصبحت في كل بيت بل وفي كل جيب وحقيبة، ومن حق أبنائنا وبناتنا علينا (خصوصا في سن المراهقة) أن نستمع إليهم ونتفهم غضبهم وحاجتهم لإثبات الذات، ومن ثم نوعيهم بصدق ونعزز ثقتهم بأنفسهم وهويتهم ووطنهم، فهذا ما يقطع الطريق على من يريد بهم سوءاً، فالمصير الذي ينتظر المراهق والمراهقة الهاربان في بلد اللجوء ليس وردياً كما قد يتصوران، إذ غالباً ما ينتهي هذا الوضع إلى التشرد وحياة البؤس بعد وقف معونة اللجوء المؤقتة.

لن تكون حادثة هروب فتاة مراهقة من أسرتها المحبة لها هي الأخيرة من نوعها، لأن العالم في الأساس ليس مكاناً عادلاً، لكن بإمكاننا أن نتعامل مع الأمر بشكل أفضل من خلال تكريس الجهود لتوعية المراهقين والمراهقات، فالتوعية هي الحصن الحقيقي لهم ولأهاليهم، لا أساليب المنع والمراقبة وإلغاء الشخصية التي تحولهم إلى أعداء لأنفسهم.