&رصدت مفوضية حقوق الإنسان العراقية 59 حالة انتحار خلال عام 2018 في محافظة ذي قار (360 كيلومتراً جنوب بغداد)، تباينت وسائلها بين الرصاص والشنق والحرق والغرق.

وقال عضو المفوضية فاضل الغراوي لـ«الشرق الأوسط» إن «عدد النساء بين المنتحرين بلغ 20؛ أغلبهن من ربات البيوت، وتتراوح أعمارهن بين 20 و25 سنة. أما الرجال فتتفاوت أعمارهم لتصل إلى نحو 50 سنة، ويتوزعون على طلبة وموظفين وأصحاب حرف ومهن خاصة».
ورأى أن «أسباب الانتحار تتراوح بين 3 أسباب؛ اجتماعية، واقتصادية، وآخر يتعلق بالمشكلات الناجمة عن الاتصالات وشبكات التواصل المختلفة». وكشف عن عزم المفوضية الإعلان بنهاية الشهر عن إحصاءات مفصلة عن حالات حقوق الإنسان في بقية المحافظات العراقية.


لكن رئيس قسم الاجتماع في كلية الآداب بجامعة ذي قار، عدي بجاي شبيب، عدّ أن «الانتحار في جزء أساسي منه يعبر عن احتجاج شديد على الواقع المعقد الذي يعيشه الشباب اليوم في ذي قار وسواها». وقال شبيب لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك تحولات كبرى حدثت وفرضت ضغوطاً هائلة على الشباب، منها التضارب بين قيم الريف والمدينة، والمحتوى العنفي والحاد الذي تفرزه مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة».
وعدّ أن «تصدر محافظة ذي قار لائحة المحافظات بالنسبة لحالات الانتحار، أمر غير مستغرب، فقد احتلت سابقاً (صدارة) لائحة المحافظات التي ضحت في الحرب ضد (داعش) من حيث عدد الشباب الذي قتلوا، فالشباب لم يذهب إلى الحرب لأسباب تتعلق بالعقيدة والوعي فقط، إنما لأسباب أخرى تتعلق باليأس من الأوضاع أيضاً».


وأشار شبيب إلى أن «الدولة تتحمل المسؤولية الكبرى فيما يتعلق بمصير الشباب عموماً، لأنها لم تتبن رؤية حقيقية بشأن المسارات الاجتماعية والنفسية والاقتصادية، وذلك كله يساعد على ضبابية الرؤى المستقبلية بالنسبة إلى الشباب».
ولفت إلى «عامل آخر يساعد في تغذية مشاعر القلق والاضطراب بين السكان، خصوصاً الشباب منهم في ذي قار»، وهو «خلو المحافظة من البهجة تقريباً، فلا توجد سوى حديقة أو اثنتين في مركز الناصرية، ولا توجد سينما أو مسرح أو ما شابه من أماكن الترفيه وغيرها، ما ينعكس سلباً على حياة الناس وصحتهم الجسدية والنفسية». وأعرب عن اعتقاده بحاجة العراق إلى «دراسات مستفيضة تقف على الأسباب الحقيقية لازدياد حالات الانتحار في السنوات الأخيرة».


وكانت تقارير كثيرة أشارت في أوقات سابقة إلى ازدياد حالات الانتحار في إقليم كردستان العراق عقب الأزمة المالية التي ضربت الإقليم في 2014، على خلفية الخلافات السياسية بين بغداد وأربيل.
وبالإضافة إلى حالات الانتحار، كشفت مفوضية حقوق الإنسان عن تسجيلها 12 اغتيالاً في محافظة ذي قار في 2018 ضمن القضايا الجنائية المسجلة بوصفها عشائرية، و6 حالات وفاة جراء إطلاق المقذوفات العشوائية، و357 حالة وفاة جراء الحوادث المرورية.
وأشارت المفوضية إلى تلقيها 30 شكوى بادعاءات تعذيب؛ بينها 16 شكوى من نزلاء سجن الناصرية المركزي. ومعروف أن هذا السجن الذي يسمى «سجن الحوت» فيه أغلب المحكومين من «قائمة الـ55» التي تضم أركان نظام «البعث». وبين الموجودين فيه حتى الآن وزير الدفاع السابق سلطان هاشم، إلى جانب معتقلين ومحكومين من جنسيات عربية مختلفة بتهم الإرهاب.
ويقول المحامي أحمد ساجت إن «أبناء سلطان هاشم يأتون إليه بشكل دوري كل أسبوعين أو ثلاثة لزيارته ويُعامَلون باحترام من قبل الجهات الأمنية المشرفة على السجن». وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن «السجن يبعد نحو 15 كيلومتراً عن مركز مدينة الناصرية، ومحوط بإجراءات أمنية مشددة، حتى إن السلطات تشترط وجود شخص ضامن لمن يرغب في زيارة الناصرية إن كان من غير سكانها».