&هاني الظاهري
لو أن عنوان هذه المقالة نُشر قبل 10 سنوات من اليوم، حينما كان لقوى التخلف والتطرف صولات وجولات في المجتمع السعودي لتحول إلى أهم خبر يتداوله الناس بالرسائل النصية ويناقشونه في المجالس وتنطلق بسببه صرخات وبكائيات المأزومين في مخيمات واستراحات المتطرفين، ولتجمّعت إثر ذلك جحافل الاحتساب غير الرسمي للإنكار على مسؤولي الجامعة وربما تهديدهم أو التعدي عليهم، لكنّ خبراً كهذا لم يعد يفجر الأزمات الساذجة في السعودية الجديدة التي تخطو بثقة ووعي وتسامح وانفتاح نحو المستقبل، والتي تتخذ من مقولة عراب الرؤية سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان شعاراً واستراتيجية عمل.. تلك المقولة التاريخية التي رسخت في وجدان السعوديين وأعادت المجتمع لطبيعته وسماحة دينه «لن نضيع 30 سنة من حياتنا في التعامل مع أي أفكار متطرفة سوف ندمرهم اليوم وفوراً».
الخبر كما نشرته «عكاظ» أمس الأول يشير إلى أن أكاديمية الشعر في جامعة الطائف افتتحت أخيراً المسار الثالث المتضمن العزف والغناء، داعية الطلاب للانضمام إليه، وتأتي هذه الدعوة بعد نحو شهرين من إطلاق الجامعة ممثلة في أكاديمية الشعر أول فرقة موسيقية طلابية في حفل شهد حضور بعض المسؤولين والطلاب والطالبات.
والحق أن هذه الخطوة الطلائعية الجميلة من جامعة الطائف تستحق الإشادة والشكر والتقدير، فلطالما كانت الطائف مدينة الشعر والموسيقى والمسرح، ومنها خرج أشهر المطربين والموسيقيين والشعراء السعوديين في العصر الحديث، وقبل ذلك بألف وخمسمائة عام احتفل العرب القدماء بمعلقاتهم على ترابها وتغنوا بأشعارهم في سوق عكاظ، إنها في الواقع قصيدة شعرية فاخرة ولوحة فنية على شكل مدينة، ولو حظيت بمزيد من الدعم والاهتمام فستبقى الرافد الأهم للحركة الثقافية والفنية في الخليج بشكل عام.
شخصياً أعشق هذه المدينة الجميلة الحالمة وأعرفها وأعرف عبقها جيداً، فقد عشت فيها سنوات عدة قبل أكثر من عقدين من الزمن، ومازلت أتذكر جلسات الشعراء والمثقفين وبعض الفنانين في «مقهى النجمة» الذي أظن أنه أزيل منذ سنوات طويلة وطواه النسيان، لكن الطريف أنني فوجئت لاحقاً بأني من خريجي جامعة الطائف قبل تأسيسها بأعوام عدة، وهي مسألة معقدة بعض الشيء، فقد حصلت على درجة البكالوريوس في اللغة العربية قبل نحو 20 عاماً من إحدى الكليات الحكومية في مدينة الطائف، وبعدها بسنوات عندما رغبت في دراسة الماجستير بالعاصمة الرياض، أرسلت صديقاً للكلية الطائفية لسحب صورة من سجلي الأكاديمي، فاتصل بي ضاحكاً عقب زيارته مبناها ليخبرني أن الكلية اختفت من الوجود وتحولت إلى «جامعة الطائف»، وبالفعل حمل سجلي الأكاديمي لأول مرة شعار الجامعة التي أكتب عنها اليوم، ولا أعلم إن كان يحق لي حالياً الفخر بالخطوات الرائعة لهذه الجامعة ودعوة الجامعات الأخرى للاقتداء بها، أم سيتم اعتباري دخيلاً قادماً من عصور ما قبل التأسيس.
التعليقات