&فارس بن حزام&

مضى أول شهر والحراك في السودان بطيء جداً، ولا شيء في الشارع يرعب الرئيس عمر حسن البشير حتى الآن، وعلى رغم تعدد المدن إلا أن كل شيء يحدث وفق قواعد محددة احترمتها أحزاب المعارضة، ولا تمس النظام.


لقد وجد الغاضبون السودانيون أنفسهم أيتاماً في معركة التغيير، بلا سند عربي ولا عالمي، ولا تفاعل شعبي عربي، ولا إعلام دولي يواكب أوسع احتجاج عربي في أعوام ما بعد 2011. والدول، التي تحمست لحراك 2011، فقدت حماسها اليوم، بمن فيهم «سوسة الخليج»، فالنتائج أتت سلبية والآثار مكلفة.

فجيران السودان يعيشون قلقاً مبرراً من انفراط الوضع في البلد الهام، فهو على البحر الأحمر، أهم ممر مائي، ومفتوح حدودياً على بلد مفكك وفاشل هو ليبيا، والصومال الأكثر فشلاً ليس بعيداً عنه. ولهذا لن يسمح العالم بالعبث في البحر الأحمر، إسوة بحماية الخليج العربي. وإذا الخليج مركز نفط العالم، فالأحمر ممر التجارة الأول بين القارات، بتشكيلها 13 في المئة من إجمالي التجارة العالمية. وتعثر الانتقال السلمي خطر سيصيب العالم، وليس جيران السودان فقط، فنحو 700 كلم على البحر الأحمر ستكون معرضة لأطماع الفوضى؛ من إيران مروراً بتركيا وصولاً إلى شتات داعش والقاعدة، وعندها سنكون أمام صورة أفظع من مرحلة قراصنة الصومال، ولأجل ذلك كله قام اتحاد «كيان البحر الأحمر».

إن احتجاجات السودان تأتي هذا الموسم والعالم العربي مرهق، أتعبته سورية وليبيا واليمن 8 أعوام، وأتعبه العراق 16 عاماً، وتبدو الصورة واضحة لدى دول المنطقة والمجتمع الدولي؛ لا مزيد من القتال، إما انتقال سلمي أو الصبر على القدر. الغاضبون، الصادقون في غضبهم ومطالبهم، لن يعجبهم هذا الكلام. فهم يعيشون «رومانسية» الخلاص ويتطلعون، وأنا معهم، لحكم أفضل يستحقه السودان، غير أنها واقعية المشهد.

لقد حكم البشير طويلاً بما لم يسبقه إليه رئيس سوداني، وصار أقدم زعيم عربي، وملاحق منذ 11 عاماً، ولا يشبه مرحلة اليوم، فأقرانه غادروا أو هدموا المعبد فوق رؤوس شعوبهم، مثل صالح اليمن وقذافي ليبيا وبشار سورية. والأول قاربه في منهج الحكم وإدارة شؤونه الداخلية وعلاقاته الخارجية، وقد طبق منهجه بحذر شديد؛ جاء بانقلاب عسكري، وسجن رفاقه، وتقلب في تحالفاته الداخلية، وتقلب مع جيرانه، وتقلب مع الإخوان، وخاض حروباً عبثية، وانتهى إلى تسليم نصف البلاد للمتمردين.

إن السودان يستحق إدارة أفضل من البشير، فإذا تغنى المصريون بنيل واحد، ففيه نيلان، وثروة زراعية وحيوانية لا تعادلها فيه دولة عربية واحدة، ومعدل سكاني يلائم مساحة البلاد، وكفاءة علمية بشرية يشهد بها العرب والعالم.