محمد آل الشيخ

& إذا كان الكتاب يقرأ من عنوانه كما يقولون، فإن الوزير الناجح يقرأ من قراراته الحازمة والجريئة، فيبدو أن وزير الإعلام الجديد «تركي الشبانة» بينه وبين تكديس المعاملات والتهرب من البت فيها (وقفة نفس)، فالرجل بدأ بأكثر المواضيع التي كانت مؤجلة، أو هي بلغة أدق (مجمدة)، واتخذ قراراً فيها.. وقراراته تأتي من خبرته ومعاناته التي يعانيها أغلب الإعلاميين لسنوات، وهذا -بالمناسبة- ما يُميز الوزير صاحب الخبرة والدراية عن غيره ممن يأتون إلى تلك المناصب القيادية وهم خالو الذهن فيسلمون أنفسهم إلى (البيروقراطيين)، ويتبعون ما ينصحونهم وما يشيرون به عليهم.&

الوزير الجديد والمبشر والواعد اتخذ عدة قرارات جديدة وشجاعة بشأن ما يجري في لجنة المخالفات الصحفية، تنم عن عقلية فذة وعادلة وقادرة على البت في المواضيع بعدالة بمجرد أن تُعرض عليه؛ ولعل أهمها أن أيّ قضية ضد الصحيفة أو أحد كتّابها لا يلتفت إليها إذا تعدى تاريخ نشرها أكثر من تسعين يوماً.. وحيثية قرار معاليه هذا أن المتضرر إذا كان فعلاً متضرراً، فالمطلوب أن يبادر ويرفع الاحتجاج خلال هذه المدة التي تعتبر أكثر من كافية.. أما التنبيش على تاريخ الكُتّاب لسنوات ثم رفع قضية فهي بعرف اليوم في حكم المتقادمة.. وعادة ما تكون في الغالب قضايا (كيدية)، أراد منها المدعي تصفية حسابات مع الكُتاب واستغلال تاريخ كتاباتهم لترجيح دعواه.&
وأنا سبق أن رفع عليّ أحدهم قضية معترضاً على مقال مضى على نشره خمس سنوات, وكان الغرض منه تصفية حسابات بيني وبينه نشأت حديثاً، وقرار الوزير الجديد سيقطع دابر مثل هذه القضايا، ويجعلها كأن لم تكن.&
النقطة الثانية التي اشتمل عليها قرار معاليه وهو المتعلق بحصر مدة الترافع في شهرين، حيث إن البعض يماطل في حضور الجلسات، ويتعمد الغياب عنها لأن الزمن في صالحه، وقد تطول مدد القضايا بما يُشغل القضاة المكلفين بنظرها إلى درجة تعيقهم عن النظر في قضايا جديدة أخرى، الأمر الذي يجعل (المتملصين) عن حضور القضايا بالتأجيل تضيق أمامهم تلك الفرصة، التي كانت في السابق سبباً رئيساً من أسباب تأخر البت في مثل هذه القضايا.&
وبهذه المناسبة ولأن وزيرنا الجديد على ما يبدو قوياً وحازماً ويكره تأجيل القرارات، فإن هناك قضية حبذا لو أمعن فيها النظر، منطلقاً من مصلحة الوطن العليا؛ وهي المتعلقة بأوضاع الصحف المالية في زمن ينافسهم فيها وبشدة السوشل ميديا.

لا يغيب عن نظر معاليه أن الوسيلة الإعلامية منذ أن اكتشفت الصحافة، تنطوي أهميتها على تأثيرها على القراء.. صحيح أن (انتشار) الصحف الورقية قد انحسر، لكن انحسارها كان بشكل (أفقي)، وفي تقديري أن صاحب القرار يهمه في الدرجة الأولى التأثر (العمودي)، أو بلغة أوضح التأثير العميق، فكل وسائل السوشل ميديا على تنوعها تستقي معلوماتها، ومصداقية أخبارها، من الصحف الورقية، التي مازالت حتى الآن هي البئر التي ينتح منه المغردون عندما يريدون صدقية لما ينشرون، لذلك فإن عدم الاكتراث بالصحافة الورقية والحدّ من إمكاناتها، سيمكّن الإشاعات، وأغلبها مغرضة، من التأثير على الرأي العالم تأثيراً قد تكون سلبياته في غاية الخطورة.. والدليل الذي هو أوضح من الشمس في رابعة النهار قضية خاشقجي؛ فقد استخدم المناوئون سواء في تركيا أو في الولايات المتحدة لتضخيم القضية والنفخ فيها الصحف الورقية، التي كانت فيما بعد (مصدراً) لوسائل السوشل ميديا. كلنا أمل أيّها الوزير الشجاع الحازم، وأنت ابن الصنعة ولست غريباً عليها، أن تمد يد العون للصحف الورقية، وتوجد حلاً لمعاناتها التي تزداد تأزماً وتفاقما مع مرور الزمن.