لا يترك «حزب الله» مجالا للالتباس بأنه يمارس فائض القوة في لبنان، وبأن له اليد الطولى في القرار فيه، على رغم أن وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف سعى إلى استخدام لغة «القوة الناعمة» خلال زيارته قبل أربعة أيام إلى بيروت.

فالأخير قارب عروض التعاون الاقتصادي والعسكري والصحي الهادفة إلى وضع لبنان تحت جناح النفوذ الإيراني، بكثير من الديبلوماسية التي يراعي فيها، ولو مكرها، الحساسيات اللبنانية الداخلية.

حتى عشية الذكرى الرابعة عشرة لجريمة اغتيال الرئيس الراحل رفيق الحريري المتهم خمسة من قادة وأعضاء الحزب بالتورط فيها، لا يجد بعض قادته حرجا في تذكير الناس بمنطق القوة.

وإذا كانت الخلافات المتشعبة بين الحلفاء أنفسهم، والتي رافقت تأليف الحكومة اللبنانية، زادت من الالتباس، حول دور الحزب، وإذا كان نفي الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله الاستنتاجات بأنها حكومة «حزب الله»، أضاف إلى الالتباس المزيد من علامات الاستفهام، فإن تصرف أحد نواب الحزب في البرلمان أثناء مناقشة الحكومة في بيانها الوزاري، أوحى بأنه يصعب على الحزب أن يمارس السياسة إلا باستعراض القوة حتى لو كان الأمر في سياق النقاش السياسي ومقاربة الوضع اللبناني المأزوم، تحت قبة المؤسسة الأم للحوار والأخذ والرد.

النائب نفسه أسكت نائبا زميلا له أثناء كلامه، وأسكت نائبا آخر حين حاول الرد على إسكات الأول، ورفع صوته فوق صوت رئيس البرلمان نبيه بري المعروف بحنكته وهيبته في إدارة الجلسات النيابية الأشد توترا، فعطل دوره في امتصاص المواجهات الكلامية الصاخبة، والمشادات التي تغذيها الغرائز. والأخيرة أفلتت من عقالها في الساعات القليلة التي أعقبت الاشتباك الكلامي، وانتقلت إلى الشارع. أحرج تصرف الحزب بري لأنه حال دونه ودوره في تدوير الزوايا، الذي عادة ما يستفيد «حزب الله» منه. وأحرج حلفاءه المسيحيين حين تعرض لرمز مسيحي يجمع عليه جمهور المتخاصمين في الساحة المسيحية، وفاخر بأن بندقية المقاومة أتت بالرئيس ميشال عون. وهو أحرج أيضا شريكه في التسوية على الرئاسة، وعلى تأليف الحكومة، رئيسها سعد الحريري عشية ذكرى اغتيال والده.

يذكّر تصرف الحزب غير الآبه بأدوار وأحجام وحساسيات الفرقاء الآخرين، بذلك الاستعلاء الذي بلغ ذروات معروفة عند رجال الاستخبارات السورية في تعاطيهم مع اللبنانيين في السنوات الأخيرة من الوجود السوري في لبنان. فهؤلاء استندوا في إهانتهم الطبقة السياسية اللبنانية إلى تلك النشوة الفاشية الرافضة لأي اعتراض في دمشق، وراكموا لدى اللبنانيين نقمة ما بعدها نقمة، عند الحلفاء مثل الخصوم، انتهت إلى ما انتهت إليه من رفض لهيمنتهم على القرار اللبناني. هذه الهيمنة تسببت عن سابق تصور وتصميم، بتراجع أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية لأنها حالت دون إدارة شؤونهم وفق مقتضيات مصالحهم والتوازنات والقواعد التقليدية التي تفرضها تركيبة مجتمعهم. والحال هذه، يمكن القول أن ما أشبه اليوم بالأمس. أثبتت ردة فعل النائب في «حزب الله» أنه يصعب على الأخير احتمال أبسط أنواع السجال السياسي تحت قبة البرلمان، وأنه هو دون غيره من ينظم هذا السجال، حتى في المسائل الداخلية.

مقابل ممارسة فائض القوة تمر الذكرى الرابعة عشرة لاغتيال الرئيس الراحل رفيق الحريري وسط فائض من الحنين إلى الرجل الذي كان جموحه في السعي إلى نهوض البلد سببا في شطبه من المعادلة.

ولعل التوتر الذي يظهر في سلوك الحزب على رغم مظاهر الهدوء في بعض أدبيات قادته يعود إلى الالتباس في ما يرمي إليه مؤتمر وارسو الذي ترعى الولايات المتحدة حضور 60 دولة له، هل هو لمواجهة إيران وسلوكها الإقليمي بما فيه في لبنان، أم من أجل التطبيع العربي مع إسرائيل؟ والالتباس عند الحزب قائم أيضا بين أن ينجح الاجتماع الثلاثي الروسي التركي الإيراني في سوتشي في تقاسم الأدوار في سورية، بعد الانسحاب الأميركي منها، وبين أن يؤسس لمرحلة من التنافس والحروب فيها، تجعل من آمال تثبيت انتصار محور الممانعة سرابا مرة أخرى.

ولا يقل سعي إيران ومعها الحزب إلى تثبيت نفوذها في لبنان، وهذا ما توخته زيارة ظريف، التباسا، هو الآخر. فزيارة الوفد الملكي السعودي إلى لبنان خطفت من الوهج الإعلامي والسياسي للزيارة الأولى لأن الرياض تعرض على اللبنانيين ما يساعدهم على تجاوز مشاكلهم، خلافا لما تعرضه طهران من تعاون لا مفعول له إلا إغراق لبنان بمزيد من المشاكل.

استعراض فائض القوة بات حاجة مقابل «فائض» الالتباسات التي يواجهها الحزب.