يصدمني التفاؤل الدولي غير المسبوق بالقضاء على «داعش» نهائياً. وليس في أعوام قريبة، بل في أسابيع. تلك نكتة غير مقبولة، ولا يجب أن يأخذ بها عاقل.
تنظيم «داعش» ليس لعبة كرتون تفكك وترمى في سلة القمامة. «داعش» فكرة، بل أكثر من ذلك؛ تطوير عبقري لنواة جهنمية اسمها «القاعدة». وعمره ليس خمسة أعوام، هي مشروع عمره 31 عاماً. ولا يمكن القضاء سريعاً على مشروع استغرق هذا الوقت الطويل.

فعندما يؤسس لأعمال شريرة طويلاً، تحتاج سنوات من العمل لإنهاء خطره.

ولعلنا نتأمل التجربة القطرية؛ توسعت صلاحيات ولي العهد حينها، الشيخ حمد بن خليفة، فزرع بذور شرها في العام ذاته 1988، ودشن حراكه تحرشاً بالحدود السعودية عام 1992، ومن ثم نقل العمل السري إلى داخل المملكة ودول أخرى منذ عام 1996، وصنع شبكاته الإعلامية وخلاياه شرقاً وغرباً، واستعد للانقضاض الواسع، لكي يلتهم المنطقة كلها عقب 2011. وقبل نحو عامين صارت المواجهة الواسعة مع قطر، ومع ذلك لم يتأثر نفوذها العربي كثيراً، لأن ذلك يستلزم أعواماً من المواجهة.

وعودة إلى «داعش»، فما فعله ليس أكثر من سرقته خريطة عمل «القاعدة»، واستعجل في تطبيقها، واعتقد سريعاً أنه نجح في إقامة دولته، ليجد أن العالم كله يُحشد لمحاربته بما لم تواجهه «القاعدة» في 2001. ولذا على الغرب أن يتذكر هذه الحقيقة: «داعش» هو النسخة المفعلة من برنامج «القاعدة». فما سيجري الفترة المقبلة، أن يسعد الغرب بنهاية آخر جيب من جيوب «داعش» في سورية والعراق، ويرفع رايات النصر فوق رماد الإرهاب، وينسى أن الدواعش قد عادوا إلى برنامجهم الأصلي، وهو القاعدة، وبدأوا في إعادة ترتيب صفوفهم وفق صيغة العمل السري والخلايا النائمة، وانتقلوا إلى العمل الفتاك تفجيراً واغتيالاً.

ما يجري في الغرب من تقييم لمشهد العنف في المنطقة، وما يترتب عليه من سعي للتعامل معه وفق ذلك، هو خطأ يضاف إلى رصيد الأخطاء الغربية، عندما تبنى وفق صيغة «1+1=2»، ويعتمد على مقياس واحد لفهم الإرهاب في منطقتنا. فدراسة الإرهاب لا تكفيه المعلومة المجردة من دون الإلمام الواسع بالثقافة الإسلامية وطبيعة كل مجتمع، فالدول العربية ليست واحدة، والمجتمع العربي مجتمعات، وتشكل وصعود الإرهاب في كل دولة يختلف عن جارتها، وفي حالات عدة مثل العراق وسورية، للعامل السياسي دور بارز.

ولذا، لن ينتهي «داعش» طالما بقيت أسبابه، والصغير قبل الكبير، في العراق وسورية وغيرهما من أنظمة حكم دينية أو دول فاشلة، يعرف أن المعضلة هناك سياسية أكثر من كونها دينية، وإذا تم علاجها لن يجد مرضى العالم من الإرهابيين فرصة للالتحاق بالتنظيم في أي من البلدين.