& حمد الماجد

&أعترف بأن محاولة إقناع الناس بجوهر وحقيقة حوار الأديان باءت وتبوء وستبوء بالفشل، ما دام المسمى «حوار الأديان» وليس «حوار أتباع الأديان»، لاحظت ذلك من خلال رصد ردود الفعل على مقالة الثلاثاء الماضي «حوار الأديان ليس عن الأديان»؛ لأن مصطلح «حوار الأديان»، على الأقل عند العرب، رَوَّجَ لمفهوم التقارب بمعنى التقريب، والتشذيب، والتعديل، والتنازلات المتبادلة، وإعمال الممسحة في النصوص الدينية التي تسيء للآخر وتكفره أو تدخله في النار وتحجزه عن الجنة، ولم يقتنع الكثير حتى من النخب العلمية والمثقفة، أن عدداً من مراكز حوار الأديان العالمية تتحاور حول أي شيء إلا الأديان، وأن الدعوات للتقريب، والتشذيب، والتعديل، والتحوير، والحذف، والقص واللزق لا ينادي بها إلا أصوات شاذة تُحفظ ولا يُقاس عليها.

ورصدتُ أيضاً من عدد من المعترضين على مقالتي الأخيرة، أن حديثي عن الغايات النبيلة لعدد من مراكز الحوار العالمية، مثل رفع المظالم عن الأقليات العرقية والدينية، وتعزيز قيم التعايش بين أتباع الديانات، ونزع فتيل الصراعات الدينية والطائفية والعرقية يُعتبر تبرئة لغايات كل من يُنشئ مؤسسات الحوار العالمية ومؤتمراتها ومنتدياتها وورش عملها، وظنوا أيضاً أن كل من يرعاها ويعمل فيها أتقياء أنقياء ملائكيون، وهذا أيضاً غير صحيح؛ فالداخلون في معمعة حوار أتباع الديانات فيهم النبيل ذو الغاية الحسنة، وفيهم الماكر ذو النوايا السيئة، وفيهم الذين خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً، وفيهم الذين يمتطون صهوة الحوار لمآرب سياسية أو تبشيرية أو دعائية أو تسويقية، أو لتبييض وجه لطخه الظلم والطغيان والفجور، وانتهاك حقوق الأقليات العرقية والدينية، فوجد في الحوار مسحة مكياج تزيل بعض التشوهات.
لا بد أن يدرك الذين عمّموا أحكامهم القاسية على كل التجارب الحوارية بين أتباع الديانات، أن هذا النوع من الحوار غاية نبيلة مثل الغايات النبيلة الأخرى، كحقوق الإنسان والنشاط الإغاثي وجهود السلام، اندس فيها أشرار ومتطفلون وذوو نوايا شيطانية، حتى رأينا أكثر الأنظمة فتكاً بالبشر ترفع راية حقوق الإنسان، واهتم بالإغاثة فئات من اللصوص الذين يجعلون ضحايا الكوارث آخر اهتماماتهم بعد جيوبهم، ويدعو للسلام أشد الأنظمة عدوانية وسعياً في الأرض خراباً واحتلالاً واستيطاناً، كإسرائيل، فلا يضير هذه المبادئ النبيلة انتهاكات شياطين البشر وأوغاد المستغلين.
وعليه؛ فلا يضر فكرة حوار أتباع الديانات من شوهها ممن لا يقيم لحدود الدين وزناً فيريد أن يجعل الأديان سَلَطَة مخلوطة، فيصلي بإسلام، ويسبح بمسيحية، ويهز بيهودية، ويستغفر بهندوسية، ويسجد لبوذا، ويتنقل في الصلاة بين معابد الديانات كما يتنقل بين غرف بيته.
ولا يضر فكرة الحوار من شوهها بنزغاته الشيطانية ومخططاته الشريرة، والأسلوب الحصيف العاقل في التعامل مع النشاطات الحوارية بين أتباع الديانات، والموقف منها هو في تقييمها ونخلها قبل الدخول فيها أو الحكم لها أو عليها، ثم الأخذ بقاعدة «لست بالخب ولا الخب يخدعني».