&أحمد الحناكي&&

كلمة ديموقراطية أصبحت في العالم كله متداولة أكثر من أي كلمة أخرى، وفي عالم السياسة وكثير من الدول تنطقها بشكل موحد مثل العرب والأوروبيين والأميركيين. لنسأل أنفسنا أولاً: ما هي الديموقراطية؟ باختصار شديد، هي بأصلها اليوناني: «حكم الشعب»، أي عامة الناس.


لماذا نريد الديموقراطية؟ كي نحقق العدالة والمساواة والحرية، وبالتالي تختفي الجرائم والأمراض والجهل والمشكلات.

هل الجرائم ظاهرة منتشرة؟ الواقع بأنه كل ما زاد الفقر والجهل والمرض زادت الجريمة. إذن، في هذه الحالة إذا استطعنا تحقيق مطالب الناس الرئيسة فنحن لا نحتاج إلى الديموقراطية.

هناك ثلاث متطلبات رئيسة إذا تحققت للإنسان فإنها تغني عن احتياجات أخرى، فأي مجتمع أو قرية أو دولة تنعم بسكن وصحة وتعليم، فهذا سيؤدي بالتالي إلى انعدام الجريمة، وطبيعي أن هذا سينعكس على المطلب الرئيس وهو الديموقراطية.

إذن، عندما نلهث خلف الديموقراطية فإننا نهدف إلى نتائجها المتوقعة مثل تحسن الاقتصاد الذي سينعكس على الشعب وتطور المجتمع، الأمر الذي سيحقق العدالة ونزاهة القانون الذي سيقضي على الفساد والجرائم.

لنعكس المسالة ونبدأ من النهاية ونحقق سكناً لكل مواطن وتأمين للصحة وتعليم مجاني، فعندها لن نشكو من جرائم تهدف إلى تحقيق مكاسب اقتصادية تحقق المطالب الثلاث الرئيسة، وبالتالي انتفت حاجتنا للديموقراطية.

قد يقول قائل أو يتساءل أو يحاجك بأن هذا طرح شيوعي وسبق أن فشل في السابق بعد سقوط وتفكك الاتحاد السوفياتي، والواقع أن كل الأيديولوجيات في العالم تهدف في الأخير إلى تحقيق هدف واحد وهو الاكتفاء الذاتي أولاً ومن ثم التمدد ثانياً.

الدول الاستعمارية في السابق ثم في الوقت الحالي تقدم التمدد قبل الاكتفاء الذاتي، أو تعتبر أنها لكي تكتفي ذاتيا فعليها أن تنهب خيرات الشعوب الأخرى، ومن هنا تنشب الحروب التي تستنزف الاقتصاد من الطرفين، ما يؤدي بالمحصلة إلى انتشار الجرائم والجهل والمرض وهلم جرا.

من دون شك فالدول الاستعمارية هي الملامة أولاً على الحروب، فهي من بدأتها فحطمت بعض الدول أو فككت وحدتها أو حولتها إلى أتون تشتعل فيه حروباً أهلية أو طائفية، وبالتالي لا ينتظر من الدول الضحايا التعافي بسهولة، فالهدم كما نعلم أسهل بكثير من البناء.

ما سبق يعيدنا إلى النقطة الرئيسة، وهي: أن محاولة الاكتفاء الذاتي قد تنهي المعاناة الداخلية بشرط ألا نستسلم إلى هوس الحروب أو التمدد، وهو ما يلاحظ بشكل رئيس من أميركا وروسيا وفرنسا، فضلاً عن دول إقليمية كالعدو المحتل في فلسطين وإيران وتركيا.

الديموقراطية هي نظام سياسي اجتماعي تعني حكم الأغلبية، لكن هذا لا يعني أن يكون الحكم مثالياً أو أن يحقق الهدف المنشود من دون دستور يضمن حقوق الجميع وحرياتهم.

في ثورات الربيع العربي كان العامل الاقتصادي هو السبب الأهم الذي أدى إلى تصعيدها - بعيداً عن عامل استغلالها عن طريق الدول الكبرى - وبالتالي تحييد هذا العامل كان سيجمدها أو يلغيها.

يا ترى هل يعني هذا أن نتناسى الديموقراطية؟ أتصور أن كثيرين يرون أن تحقيق العوامل الثلاثة الرئيسة لن يتم من دون ديموقراطية تضمنها.

الديموقراطية السياسية مطلوبة من دون ريب، إنما علينا أن نفكر الآن بمطالب الشعوب الملحة أولاً فإن تم تحقيقها فسيسهل النظر في المطالب السياسية، سواء من المواطن أم من النظام الحاكم، لأن المواطن سيهب في أول انتخابات إلى انتخاب من حقق له مطالبه الملحّة والضرورية.