علي بن محمد الرباعي

كانت أشرطة الفيديو إحدى وسائل الاتصال بجبهات ما سمي بالجهاد في أفغانستان، وتولى أحد الأصدقاء الناقلين للأشرطة الشرح على الشاشة المواقع وأسماء الغزوات وكنيات القادة، وكنتُ أكرر عليه سؤالاً عن هوية الضحايا المقتولين والمستهدفين بالألغام، فيقول «أفغان موالون للشيوعيين»، فأعيد عليه السؤال بصيغة أوضح «يعني مسلمون»، فيجيب «مسلمون بالاسم فقط»!

كانت تلك الأشرطة المرئية وأشرطة الكاسيت المسموعة وسائل دعائية جاذبة تعلق بها شبان أبرياء، ودفعوا حياتهم ثمناً لتعزيز نفوذ وحضور أحزاب وتيارات تطورت أدواتها من مواعظ وعبادات، إلى تكوين خلايا واستقطاب مجموعات، إلى رفع شعارات لإثبات الذات، إلى طموح لإسقاط حكومات ودول، كما فعل كاسيت الخميني بشاه إيران.

تبعت معارك أفغانستان معارك في الشيشان وفي البوسنة ثم في الصومال، وأخيراً وليس آخراً في بلاد الشام، ولبشاعة ما حدث وكل ما نقل وما لم ينقل من إراقة الدماء والفتك بالأطفال والنساء، مما يبعث على الأسى ويثير أسئلة كبرى حول ثقافة المحاربين ومرادهم وأهليتهم النفسية والعقلية.

لعل بعض كتب التراث تتحمل مسؤولية ما يجري وما جرى، فعلى سبيل المثال يجمع مؤرخ آثار المسلمين طيلة ثمانية قرون، والغالب الأعم فيها من المنجزات غزوات وحكايات، فيقول «وفي عام كذا وقعت غزوة كذا وقتل فيها مئات»، هذه الثقافة الموروثة التي لم تخضع للغربلة والتقييم تصور لنا أن أسلافنا، لم يكن لهم من منجز سوى القتل والغزو.

ربما نتج عن تلك المرويات تشكُّل وعي من قام على أبشع المشاهد المأساوية لنحر أبرياء واتجار بالبشر وهتك أعراض مما كانت داعش توثقه بأحدث التقنيات وتبعثه عبر وسائط، لتري العالم وحشية ما تقدم تحت راية تدَّعي أنها الإسلام.

لم تقتصر جناية بعض المؤرخين والفقهاء على الوعي العام، فلم يسلم منهم الفلاسفة الذين حاولوا التصدي للتوحش بالأنسنة فنعتهم خصومهم بالزندقة والإلحاد. فيما ستظل، تستفيد قوى كبرى من هذه الجماعات بدفعها لتكون وقوداً لأزمات، ثم تأتي لرد الاعتبار لنفسها واستعادة الهيبة على حساب رموز الخيبة.

ولو طرحنا سؤالاً على مليار ونصف المليار عن سر تعلقهم بالإسلام ودخولهم فيه، سيجيب أكثرهم بأن دخولهم عن قناعة بدين يقوم على السماحة والسمو وكريم الخصال والأخلاق.

مع كل حادثة اعتداء تنسب للإسلام كون مرتكبيها مسلمين أتساءل: ماذا يريد أن يقول الإرهاب؟ ومن يقف وراءه؟ وأليس في العنف تشويه وتعطيل عن دخول المجتمعات في دين الله أفواجاً؟