فارس بن حزام&&

تعيش أوروبا هذه الأيام ورطة التعامل مع مواطنيها، بمستوى لم تبلغه دول عربية مصنفة من العالم الثالث. فهذا العالم الأول فوجئ بوجود إرهابيين بين مواطنيه، وآخرين انتقلوا إلى حياة الإرهاب، وهم أقل خطراً، فقرر عقاب الجميع؛ سحب الجنسيات، ورفض العودة إلى الوطن، وتحييد الخطر عن بعد.


وأخطر ما تبحثه دول أوروبية هذه الأيام، أن تقيم معسكراً خارج دولها، لتسجن وتحاكم العائدين من بؤر الإرهاب. دوائر القرار تدرس جدياً فكرة إيجاد غوانتنامو أوروبي لا يخضع لقوانينها، وهذه درجة متدنية جداً من الانحدار الأخلاقي، وإذا طبقت فستكون صدمة إنسانية تخالف كل شعارات حقوق الإنسان، وخاصة أنها دول تلاحق منطقتنا بهذه المفاهيم، وغير ذلك أن واشنطن استوعبت ضرر تجربة غوانتنامو وتسعى منذ سنوات إلى إغلاقه تماماً.

الورطة الأوروبية متباينة من دولة لأخرى، فلكل دولة من كبارهم رأي للتعامل مع سجنائهم في سورية، ومنها فرنسا، إذ تتمنى أن يبقوا هناك أو ينقلوا إلى العراق، بما أن البلدين أرض التنظيم، فيحاكموا ويعدموا، ويطوى الملف بلا مضاعفات داخلية. وقبل أيام صدرت دعوة جادة من الرئيس ترامب لدول أوروبية، شدد فيها على أن يعيدوا أبناءهم من سجون أكراد سورية. وفجأة تسرب المخابرات العراقية خبراً بطولياً، قالت فيه إنها نفذت عملية أمنية داخل سورية، وقبضت على 13 فرنسياً، ونقلتهم إلى بغداد، والأمر لا يبدو سوى أنه اتفاق للتخلص من السجناء الأوروبيين لدى جماعة «قسد»، فسلموهم للعراق.

في هذا الخضم، تجاهلت منظمات حقوق الإنسان الغربية 1500 امرأة وطفل عالقين بين المسلحين الأكراد و«داعش» في سورية، في وقت تسحب دولهم جنسياتهم وترفض عودتهم، بينما تلاحق هذه المنظمات بضع فتيات هاربات من مشكلات أسرية.

وهنا اقترح أن تبادر كندا إلى استقبال الأطفال والنساء العالقين، بحكم أنها ملجأ للمضطهدين، وأن تكون البداية بتقدم وزيرة خارجيتها لاستقبال الفتاة البريطانية المسحوبة جنسيتها مع طفلتها.

ومهما يكن، فهؤلاء مواطنون، وعلى دولهم أن تواجه الحقيقة والمشكلة، وأن تعمل على استيعابهم. وقبلها دول المنطقة، المصنفة عالماً ثالثاً وفاقدة لأدنى معايير الإنسانية، واجهت المشكلة وعالجت الملف من جوانب إنسانية عدة، فعلى مدى ثلاثة عقود استعادت آلاف المتورطين ببؤر الإرهاب والتوتر، ومثالها السعودية، إذ حولت 98 في المئة منهم إلى مواطنين صالحين.

على منظمات حقوق الإنسان الأوروبية، النشطة تجاه كل ملفات منطقتنا، أن تلتفت لمواطنيها، وتوقف عبث دولهم بحقوق الإنسان، وألا تسمح لدولهم بإيجاد غوانتنامو جديد، وأن تمنعها من البحث عن سجون عربية تستضيفهم وتحاكمهم.

&