ريم البريكي

في أواسط السبعينيات من القرن الماضي.. تمكن بخبرته وحنكته الإدارية من وضع بصمة تاريخية في مسيرة القطاع المصرفي بالعالم، مكتسباً دعماً كبيراً من قيادة حكومة إمارة دبي آنذاك، ليتمكن خلال فترة قصيرة من تأسيس أول بنك إسلامي في العالم، فاتحاً الباب أمام نمط جديد من أنماط العمل المصرفي والمالي، امتد ليشمل مختلف أرجاء العالم الإسلامي، قبل أن يمتد إلى أنحاء العالم.. إنه الحاج سعيد بن أحمد لوتاه..
يقول الحاج سعيد في مقابلة خاصة مع «الاتحاد»، إن «الإمارات تمكنت من ترسيخ مكانتها الرائدة كعاصمة للاقتصاد الإسلامي في العالم، نظراً لتمتعها بمزايا عدة منها الخبرات التراكمية والموقع الاستراتيجي وما تمتلكه من بنية أساسية متطورة».
ويضيف أن علاقات الإمارات القوية وشراكاتها الاستراتيجية ورصيدها الكبير من الخبرات دعمت نهجها في تبوء مركز الصدارة في عالم الاقتصاد الإسلامي، وبالتالي أصبحت دبي تشق طريقها لتكون عاصمة للاقتصاد الإسلامي ولمختلف قطاعاته، معرباً عن تقديره للجهود المخلصة التي تثمر كل يوم إنجازاً جديداً يمثل إضافة مهمة تقربنا أكثر من تحقيق الهدف وتحويل دولة الإمارات إلى مرجعية أولى لكل أنشطة الاقتصاد الإسلامي على مستوى العالم أجمع.
وأكد لوتاه الذي يرأس مجلس إدارة مجموعة سعيد أحمد لوتاه وأولاده، ومجلس أمناء المؤسسة الإسلامية للتربية والتعليم بدبي، أن الإمارات تمتلك كل الخصائص والمقومات التي تؤهلها لتعزيز موقع الاقتصاد الإسلامي في سياق النظام الاقتصادي العالمي، فعلى الصعيد المحلي، تواصل الدولة، مسيرتها في التنويع الاقتصادي، والتركيز على القطاعات الإنتاجية، التي تضمن استمرارية النمو واستدامة الثروات، انطلاقاً من خطتها لتحقيق أفضل مستويات النهضة الاقتصادية في عام 2071، لتحتفي بمئويتها، وهي إحدى أفضل دول العالم اقتصادياً.

مستقبل واعد


وبالنسبة لمستقبل الاقتصاد الإسلامي، يرى لوتاه إن تطبيق منهج الاقتصاد الإسلامي هو البديل الأمثل للنظم الاقتصادية التقليدية، وعلى ضوء ذلك جاء إنشاء البنوك الإسلامية تطبيقاً لمبادئ الدين الإسلامي الحنيف، ولتصبح هذه البنوك في مدة زمنية وجيزة، قنوات شرعية أساسية لتنمية المجتمع الإسلامي، يقبل عليها الناس في كل مكان، ويستثمرون فيها أموالهم ومدخراتهم، وهم بذلك يسهمون في تحقيق التنمية لهم ولإخوانهم في كل مكان، ويشجعون على إنشاء البنوك الإسلامية حتى في غير البلاد الإسلامية.
وأضاف: خير دليل على نجاح هذه البنوك هو عدم تعرضها للهزات المالية التي أطاحت ببعض البنوك التقليدية الأخرى، الأمر الذي دفع كثيراً من دول العالم إلى فتح فروع للمعاملات المالية الإسلامية لجذب رؤوس الأموال، ولقناعة القائمين عليها أن النظام الإسلامي هو الحل لمشكلاتهم الاقتصادية والمالية، وهو الضامن لعدم تعرض بنوكهم للسقوط والإفلاس.

التقنيات&الرقمية
وحول التقنيات الحديثة وتأثيرها على الاقتصاد الإسلامي، قال لوتاه، إن العالم يشهد فورة في استخدامات الثورة الصناعية الرابعة، وأحد أبرز ملامحها انتشار التقنيات المتقدمة التي تحدث تحولات جذرية عميقة الأثر على مختلف جوانب حياتنا بما فيها كيفية إدارة عمليات التمويل، مضيفاً أنه من المهم التعامل وتفعيل دور ومساهمة التقنيات الرئيسية مثل البلوك تشين، والذكاء الاصطناعي، والعملات الرقمية في الاقتصاد الإسلامي.
وأضاف أن الاقتصاد الإسلامي بطبيعته اقتصاد لا مركزي ذو مجالات عديدة يتجه بمجمله نحو اعتماد الحلول الرقمية، الأمر الذي يجعل من موضوع تبني واعتماد التقنيات الجديدة التي نشهد ظهورها حالياً أمراً سهلاً، وقد أثبتت دولة الإمارات بالفعل بأنها بيئة خصبة للشركات المعنية بموضوع التقنيات المالية.

الاستثمارات الأجنبية
وعن التواجد الاستثماري للشركات الأجنبية في الدولة، أكد أن دخول رؤوس أموال من الخارج متمثلة في أعداد المستثمرين الذين يفدون إلى الإمارات بغرض استثمار أموالهم، يسهم بصورة كبيرة وفعالة في دفع الاقتصاد خطوات واسعة للأمام، خاصة أن بلادنا بفضل الله ثم بقيادتنا الرشيدة تنعم بالأمن والاستقرار الذي صار عملة نادرة في معظم دول العالم، لذا أصبح مناخ بلادنا جاذباً للاستثمارات الأجنبية.

إكسبو 2020
وأكد أن إكسبو دبي 2020 يحدث طفرة هائلة في شتى مناحي الحياة في دبي وفي الإمارات بصورة عامة، من حيث النمو الكبير الذي سوف يحدث في اقتصاد البلاد، بجانب النهضة العمرانية الكبيرة المصاحبة لهذا الحدث.
وأضاف أن الإمارات تجني الكثير من القيمة الرمزية لاستضافة المعرض، أهمها نقل صورة نجاح الاقتصاد الإماراتي إلى العالم، وتركيز الإمارة على روابطها العالمية، والميزة التي تتمتع بها للقيام بالأعمال التجارية، لافتاً إلى أن التفاعل مع المواطنين في حدث يدعو للفخر الوطني ومساعدتهم في المشاركة والاحتفال بنجاح الدولة في الاستضافة، وتنظيم المعرض، يسهم في تعزيز الهوية الوطنية، وهي عوامل تؤدي إلى تطوير وتعزيز عمليات توطين الوظائف والرفاه الوطني.

دور الشباب والمرأة


وعن دور الشباب في التنمية، قال إن الشباب هم ثروة المجتمع، وواجب علينا أن نتولاهم بالعناية والرعاية الصحيحة التي تتعدى الغذاء والكساء إلى التربية الإسلامية السليمة والتعليم النافع الذي يلبى احتياجات سوق العمل ومتطلباته.
وأضاف: إن القيادة الرشيدة لدولة الإمارات أولت الشباب اهتماماً عظيماً، ووفرت المشاريع وكل ما يعينهم على الإعداد والتأهيل ويجعلهم يرتقون بأنفسهم وذويهم ومجتمعهم.
وفيما يتعلق بدور المرأة في العملية التنموية، قال إن المرأة لها دور كبير ومهم تقوم به في الحياة بصورة عامة، فهي صمام الأمان بالنسبة للأسرة لكونها المربية والبانية للأجيال المتعاقبة، مؤكداً تضافر جهود الجميع نحو رعايتها وتأهيلها وإعدادها لكي تقوم بهذا الدور المهم على أكمل وجه، والأمم التي أهملت دور المرأة وحطت من قدرها قد خسرت كثيراً لأنها عطلت أهم مصدر للتربية وبناء الإنسان وهو ما لا يستطيع غيرها القيام به. وأضاف أن المرأة الإماراتية حققت إنجازات غير مسبوقة خلال مسيرتها على مدى العقود الماضية فاقت التوقعات وأصبحت لها مكانتها بين نساء العالم، نتيجة للدعم غير المسبوق الذي وفرته القيادة الرشيدة، حيث سهلت لها كل الطرق والسبل الكفيلة بنيل حقوقها وتوليها مسؤوليتها في مسيرة التنمية التي تشهدها البلاد.
وأشار إلى أنه ألف كتاب «خسارة الأمم»، شرح فيه أهمية دور المرأة والمسؤولية العظيمة الملقاة على عاتقها والتي تتطلب بالضرورة أن نكون جميعاً خداماً لها ونعينها على هذه الأمانة بكل ما يجعلها قادرة على حملها وأدائها بكفاءة واقتدار.
وفيما يتعلق بالجهود المبذولة في مجال التعليم عن بعد، أشاد بمبادرات صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، الرامية إلى نهضة دبي وتطور المجتمع وإسعاد الناس في جميع المجالات.
وأضاف أن: العالم يتجه إلى التعليم عن بعد ونحن كان لنا قصب السبق في هذا المضمار منذ ما يقارب العقدين من الزمان، حيث طبقناه في جامعة آل لوتاه بالاتصالات الحديثة، أما بخصوص مقترح المدرسة الافتراضية فنحن نشجع بقوة هذا المسعى وهو ما كنا وظللنا ننادى به.

&

العمل الإنساني
وبالنسبة للمشاريع الخيرية والإنسانية التي تقوم بها المجموعة، قال لوتاه: ننفذ مشروع السكن المنتج بولاية الجزيرة بالسودان وسريلانكا، وتتلخص فكرة المشروع في تقديم الخير للناس بطرق غير الطرق التقليدية وبما يحقق تواصل هذا الخير ونموه واستمراره بلا انقطاع.
وأوضح أن المشروع يهدف إلى الارتقاء بمستوى الأسرة الاقتصادي والمادي عن طريق تحقيق الاكتفاء الذاتي من المنتجات الزراعية والحيوانية والاستفادة من فائض عائد هذه المنتجات بعد تسويقه، وتوفير البيئة الخضراء النظيفة بالحصول على الكهرباء من مصادر الطاقة الشمسية، والماء من الآبار الجوفية، وغاز الطهي وغيره من بقايا المحاصيل الزراعية ومخلفات الإنسان والحيوان، ومعالجة ظاهرة الفقر الذي أصبحت نسبته في العالم في تزايد مستمر، والحد من تفشي الأمراض وانتشار الفوضى الفكرية وغيرها.

المال لخدمة الناس


يعد الحاج سعيد بن أحمد لوتاه أول من أسس بنكاً إسلامياً في العالم وهو «دبي الإسلامي» في عام 1975، وأول شركة للتأمين الإسلامي في عام 1979 وهي الشركة الإسلامية العربية للتأمين (اياك)، كما أنه أول من أسس جمعية تعاونية استهلاكية تقوم على توفير الأطعمة الحلال والغذاء الصالح في الدولة العام 1972، وأطلق على الجمعية تلك اسم دبي التعاونية (التعاون الإسلامي).
يؤمن الحاج سعيد كما يفضل أن يناديه الجميع بالعمل التطوعي الإنساني، ويرى أن المال مسخر لخدمة الناس، وتوفير حياة سعيدة وعيش رغيد، لجميع البشر من دون التمييز باللون أو العرق أو الدين أو الطائفة أو الانتماء المكاني، فكانت أياديه البيضاء ممتدة داخل الدولة وخارجها، وشمل ذلك أعمالاً جليلة منها تأسيس دار للأيتام، التكفل بالأسر وشراء الأراضي الخصبة لهم وتوفير المأكل لهم، رعاية ودعم احتياجات الفقراء من الطعام وجميع الاحتياجات.

بدايات تأسيس أول بنك إسلامي


يروي الحاج سعيد لوتاه عن بدايات بنك دبي الإسلامي، أن دراسة الجدوى الاقتصادية للبنك الإسلامي لم تستغرق أكثر من ساعتين ونصف، على قاعدة «أننا أخذنا ما يتوافق مع الشريعة والدين من البنوك الأخرى وطرحنا ما يتناقض معها»، وكانت البداية في مارس العام 1975التي أرخت لظهور أول بنك إسلامي في الإمارات، فقد تأسس بنك دبي الإسلامي شركة مساهمة عامة، بموجب المرسوم الأميري الصادر عن صاحب السمو حاكم إمارة دبي مارس 1975، بغرض تقديم الخدمات المصرفية وقفا لأسس الشريعة. ولم تكن مهمة تأسيس البنك سهلة، فهناك تخوفات عديدة، لكنها لم تمنعه من إتمام بناء حلمه الذي سرعان ما تحول إلى حقيقة تجاوز عمرها وعطاؤها 44 عاماً.
مع بدايات الفكرة ومحاولة البحث في كيفية تطبيقها كان لابد من رؤية وتحليل وموقف علماء الاقتصاد وعلماء الدين، وكانت المشكلة الأولى التي واجهت ميلاد البنك أن عالم الدين تنقصه المعرفة بالاقتصاد وعالم الاقتصاد تنقصه المعرفة الدقيقة بالدين، ولم يكن من مخرج إلا بالاعتماد على أن «الحلال بين والحرام بين».


ويشير لوتاه إلى النقاش الذي دار بينه وبين المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، طيب الله ثراه، حول نيته لتأسيس بنك إسلامي وكيف كانت ملاحظات الشيخ راشد قيمة وكيف كان لها دورها في تأسيس البنك بل في سرعة إنجاز الدراسة التي لم تتجاوز ساعتين ونصف الساعة. لم تكن مسألة الترخيص معقدة فتمت الإجراءات بسهولة وحصل الحاج لوتاه على الترخيص ما يعني أن مرحلة الجد قد بدأت فعلياً وبالتالي لا بد من البحث عن الكفاءات التي ستقود مسيرة البناء والعمل، وكانت التصورات الأولية كي يرى البنك النور ويتوافد إليه الناس أن هذا الأمر يتطلب سنتين.
ولأن صاحب البنك ومؤسسه كان يذهب إلى البنوك التقليدية ليطلع على لوائحها وأنظمتها، تعرف هناك إلى الموظفين في تلك البنوك واختار من بينهم من هو أقرب إلى المعرفة بالأمور الدينية في هذا المجال وتم استقدامه للعمل في البنك الجديد.
وجاءت الخطوة الثانية في التأسيس سهلة ومريحة سواء ما تعلق منها في اختيار المكان والموقع والتجهيزات والمكاتب والأثاث والأوراق واللوائح من البنوك الأخرى بما يتوافق مع الشريعة الإسلامية، ومن ثم بعد طباعة الشيكات وتعيين الموظفين أصبح البنك جاهزاً للعمل ضمن فترة زمنية للانطلاق لم تتجاوز ثلاثة أشهر، وتبع تلك الخطوة البحث عن مراسلين في العالم وخلال فترة زمنية لم تتجاوز العام الواحد أصبح للبنك أكثر من خمسين مراسلاً في العالم. وكان عدد العاملين في البنك في مرحلته الأولى نحو 30 موظفاً، وكان معظم المتعاملين مع البنك من المعجبين بمؤسس البنك والمعجبين بالعمل البنكي الإسلامي.