يخصص مهرجان البستان اللبناني للموسيقى الكلاسيكية مساحة كبيرة في دورته الحالية مساحة كبيرة للمؤلف الموسيقي وعازف الكمان الايطالي أنطونيو فيفالدي (1741-1678) أو (الراهب الأصهب) كما كان يلقب نظرا لدخوله السلك الكهنوتي في مرحلة شبابه وللون شعره الأحمر.

فإضافة الى مقطوعاته الخالدة التي تعزف ضمن حفلات المهرجان الذي يأتي هذا العام تحت ثيمة (كريشيندو) وهي عبارة إيطالية تعني تزخيم العزف بشكل تصاعدي، كان جمهور الموسيقى الكلاسيكية على موعد ليلة الاربعاء الخميس، مع حفل لافت بعنوان "ألهي وانفعالي" قدّمه موسيقيون من فرقة أكاديميا بيزنطينا الايطالية.

الحفل الذي أقيم في كنيسة مار الياس في بيروت، أديت خلاله 10 مقطوعات موسيقية مختارة من مؤلفات كتبها فيفالدي للأوبرا والكونشرتو كان الكمان سيّدها، في غالبيتها ليست شعبية أو أقل شهرة من غيرها. وهي ذات طابع روحيتأملي تميّز به فيفالدي عامة.

قاد الحفل الذي قدمه 12 موسيقي، عازف الفيولا أليساندرو تامبيري الذي أولى اختيار المقطوعات عناية فائقة، فهو اختار أيضاً مقطوعة شهيرة بعنوان (أجيتاتا إنفيدو فلاتو) مأخوذة منأوبرا (أوراتوريو جوديثا ترايومفانس) (Oratorio Judithatriumphans)التي قدمت للمرة الاولى في ايطاليا عام 1716. وهي أوبرا درامية مستوحاة من "كتاب جوديث" في الكتاب المقدس.

وقد تألقت في الحفل مغنية الأوبرا الكونترالو ديلفين غالو صاحبة الصوت الرخيم التي أدّت وصلات غنائية اوبرالية تأدية درامية بامتياز. فهي كانت تغني بحواسها الخمس وجسدها وحركات وجهها وعيناها تتفاعلان بشكل دقيق مع كل جملة موسيقية.

وقال راني (40 سنة) وهو عازف كمان كان يشاهد الحفل، " كانفريداً لأن الفرقة عزفت مقطوعات غير مألوفة، وهي مناسبة مهمة للموسيقيين اللبنانيين ليتباداوا الخبرات من خلال هذه الحفلات مع موسيقيين إيطاليين.

أما لميس (38 سنة) وهي أستاذة جامعية، اعتبرت ان هذه الحفلات التي ينظمها مهرجان البستان يجعلنا نعود الى الاصالة الموسيقية التي كلّما نسمعها تجعلنا أنقياء". أما جورج (60 سنة) فقال "نحن بحاجة اليوم الى مزيد من الموسيقى الكلاسيكية في حياة أصبحت صاخبة وسريعة لنعود الى انسانيتنا".

وكانت الموسيقية والمؤرخة سوزان أرلاندوألقت منذ أيام، محاضرة بعنوان "فيفالدي أكثر بكثير من الفصول الاربعة الاسبوع الماضي في متحف سرسرق في بيروت.

تحدثت هذه الخبيرة لأكثر من 25 سنة في موسيقى عصر الباروك، عن تاريخ فيفالدي الموسيقي الاستثنائي (لحن أكثر من 700 مقطوعة للاوبرا والسوناتا والكونشرتو) وموسيقاه الروحانية الدينية المتأثرة بكونه كان لفترة كاهناً كاثوليكياً والتي ميّزته بمكان ما عن موتزارت وبتهوفن وباخ. وشرحت لماذا اعتبر صاحب الفصول الاربعة من ابرز الموسيقيين في القرن الثامن عشروكيف وضع معايير جديدة للموسيقىلكونه أول مؤلف يستعمل تلقائيا شكل الريتورنيللو(ritornello) وهو الشكل الذي أصبح شائعا فيما بعد في الحركات السريعة للكونشرتو.

تناولت أورلاندو تأثير رحلات فيفالدي بين البندقية وجنوى وتورينو ومدن اوروبية عدة على مؤلفاته، نهاية بوفاته فقيراً في فيينا في 28 يوليو (تموز) 1741 عن 63 سنة.وكان انتقل إلى النمسا بعد لقاء الامبراطور شارل السادس الذي تأثّر باعماله الموسيقية فأعطاه لقب (الفارس) وميدالية ذهبية ووجه إليه دعوة إلى فيينا. لكن الامبراطور توفي بُعيد وصول فيفالدي، فأصبح الأخير فقيراً لأنه لم يكن لديه معارف ملكية أو مردود ثابت.

الحيّز الأكبر من المحاضرة كان عن تسجيلات فيفالدي ومخطوطاته غير المعروفة، وتحديداً عنالنسخة الجديدة من أوبرا "أورلاندو الغاضب" التي اكتشفت كمخطوطة بخط يد فيفالدي في 2012 في احدى المكتبات الايطالية.

وقد اعتبرت بوقتها (قنبلة في عالم أبورا عصر الباروك) كما قالت أورلاندو، مضيفة إن هذه الموسيقى كانت جديدة تماماً وهي هدية لمحبي فيفالدي والباحثين في سرّ موسيقاه الخالدة بعد 270 سنة من وفاته. المخطوطة تعود إلى العام 1714، وهي تحتوي على 20 أغنية جديدة لم تسمع من قبل، تم تلحينها جميعاً في الوقت الذي كان فيفالدي يعمل أيضاً على رائعة "الفصول الأربعة".

منذ عام 2000 عملت سوزان أورلاندو كمديرة مشروع تسجيل (فيفالدي غديشن) Vivaldi Edition، وكتبت مقالات متخصصة ودراسات وشاركت في أفلام وثائقية حول إنتاجات (الراهب الاصهب)، وشاركت في إنتاج أضخم مهرجان لموسيقى فيفالدي في قصر فيرساي في فرنسا عام 2011.

وسيكون جمهور فيفالدي مع موعد مهم في ختام مهرجان البستان في 17 مارس (آذار) مع حفلة "الفصول الاربعة" التي تقدمها (اوركسترا اكاديمية تياترو ألا سكالا) بقيادة عازف الكمان الايطالي الشهير فرانسيسكو منارا.