هشام محمود& &

لا تبدو الأجواء براقة ولامعة في أسواق الذهب الدولية حاليا، فقد هبطت الأسعار في ختام الأسبوع الماضي بأكثر من 1 في المائة لتصل إلى أدنى مستوى لها منذ شهر كانون الثاني (يناير)، مسجلة أكبر خسارة أسبوعية في أكثر من عام ونصف.
وانخفض الذهب في المعاملات الفورية 1.4 في المائة إلى 1293.75 دولار للأوقية في أواخر جلسة التداول بالسوق الأمريكية بعد أن نزل عن المستوى النفسي المهم 1300 دولار للمرة الأولى منذ الـ 28 من كانون الثاني (يناير).
وأنهى المعدن الأصفر الأسبوع الماضي على خسارة بنحو 2.6 في المائة هي الأكبر منذ أيار (مايو) 2017، وهبط الذهب في العقود الأمريكية 1.3 في المائة ليبلغ عند التسوية 1299.20 دولار للأوقية.
وعززت بيانات أفضل من المتوقع بشأن الناتج المحلي الإجمالي في الولايات المتحدة عوائد سندات الخزانة الأمريكية وهو ما يجعل الذهب، الذي لا يدر عائدا، أقل جاذبية.


وبطبيعة الحال ترتبط الأسئلة الملحة بالبحث في أسباب هذا التراجع، وكون هذا الهبوط ظاهرة مؤقتة أم سيتواصل التراجع، وهل يمكن أن تبتعد الأسواق عن الاستثمار في الذهب لمصلحة أوعية استثمارية أخرى؟
ويلاحظ أن أسعار الذهب كانت تحت الضغط في الآونة الأخيرة، ولم تتفاعل أسواق المعدن الأصفر بشكل قوي أو ملحوظ مع تصريحات جيروم باول رئيس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأمريكي) أمام مجلس الشيوخ بشأن السياسة النقدية للولايات المتحدة.
ويرى نيل كريستين المحلل المالي في بورصة لندن، أن افتقاد أسواق الذهب بريقها المعهود، يعود إلى غياب المخاوف من حدوث تضخم في الاقتصادات الكبرى.
ويقول لـ "الاقتصادية"، إن "البنوك المركزية ترى أن الضغوط التضخمية ضعيفة، وأن التضخم على المدى الطويل سيصل إلى هدفه وهو 2 في المائة، ومن ثم فإن الرغبة في اكتناز الذهب أو المضاربة فيه تظل ضعيفة، ومن الأفضل بالنسبة لقطاع كبير من المستثمرين، خاصة صغار المضاربين وصناديق التحوط أن تبحث عن أوعية استثمارية أخرى تدر عائدا ملموسا مثل الأوعية الادخارية الدولارية أو الأسهم، أما الذهب فإنه لا يدر عائدا، كما أنه مكلف فيما يتعلق بتخزين كميات كبيرة منه".
وفقا لهذا التحليل، فإن أسعار الذهب ربما تشهد مستويات غير إيجابية خلال الفترة المقبلة، وهو ما تؤكده ماريا سيفونج الباحثة في اتحاد منتجي السبائك في المملكة المتحدة، التي ترى أنه إذا استمرت الأوضاع الراهنة فإن أسعار الذهب ربما تتدنى أكثر مما هي عليه الآن.
وتضيف لـ "الاقتصادية"، أن التوقعات السلبية بشأن الأوضاع المستقبلية للذهب مبنية على عدد من العوامل، الأول هو التحسن الملحوظ في سوق الأسهم العالمية، ما يجعل الاستثمار في الأسهم أكثر ربحية وجاذبية، فإذا أخذنا في الحسبان أن تحسن سوق الأسهم العالمية يأتي في أوقات تشهد فيها التجارة الدولية انخفاضا، بسبب الحرب التجارية الجارية بين الصين والولايات المتحدة، فإنه من المنطقي أن يؤدي تراجع حدة القيود التجارية بين البلدين كما هو متوقع مستقبلا، إلى مزيد من التحسن في أسواق الأسهم الدولية، ومن ثم مزيد من الابتعاد عن الاستثمار في المعدن الأصفر".
وتشير الباحثة في اتحاد منتجي السبائك في المملكة المتحدة، أنه يجب الأخذ في الاعتبار وضع الدولار في مواجهة العملات الأخرى، فلا يزال الدولار قويا حتى الآن، وعلى الرغم من أن ذلك لا يتفق كثيرا مع رغبات الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، إلا أن الواقع يؤكد أن الاستثمار في الدولار يحقق فوائد أكبر من الاستثمار في الذهب.
ومع هذا يعتقد أنصار الاستثمار في المعدن النفيس، ومن بينهم ريتشارد دريك الخبير المصرفي والاستشاري السابق في مجلس الذهب العالمي، بأن الوقت لم يفت بعد للاستثمار في الذهب.
ويضيف لـ "الاقتصادية"، أنه "على الرغم من منطقية الحجج التي ينادي بها المتشائمون تجاه مستقبل الذهب، ورغم الآثار السلبية التي تركها تحسن سوق الأسهم العالمية والصعود الملحوظ في قوة الدولار الأمريكي، ومعدلات التضخم المنخفضة حاليا على أسعار الذهب، إلا أن تلك التحليلات لا تأخذ في الحسبان الدور الذي تلعبه البنوك المركزية في الطلب على المعدن الأصفر".


ويشير دريك، إلى أن "خيارات البنوك المركزية بشأن تشكيلة احتياطياتها ترسل إشارة مهمة للأسواق المالية فيما يخص الأمان النسبي لبدائل العملات، والبنوك المركزية لديها مشتريات صافية من الذهب منذ عام 2010، ويشير استطلاع أجراه مجلس الذهب العالمي أخيرا، إلى أن خمسة من أكبر البنوك المركزية في العالم لديها النية لزيادة مشترياتها من الذهب خلال الـ 12 شهرا المقبلة".
وبالطبع فإن تأثير البنوك المركزية، حتى لو اقتنت كميات صغيرة من الذهب، على الطلب الإجمالي ملحوظا، ولكن شراءها للذهب لا يعني بالضرورة أنها متفائلة بشأن مستقبل المعدن النفيس، بقدر ما قد يعكس توقعاتها السلبية بالنسبة للدولار".
وفي هذا السياق، أوضح لـ "الاقتصادية"، الدكتور أموج دارن أستاذ الاقتصاد الدولي في جامعة لندن، أن "إجمالي الديون الأمريكية بلغ 22 تريليون دولار، ولا توجد إرادة حقيقية من قبل الإدارة الأمريكية لكبح جماح الإنفاق الداخلي الهائل، ما يجعل الدائنين الأمريكيين في حالة عصبية، ويفقد سندات الخزانة الأمريكية جاذبيتها، وفي تلك الحالة سنشهد ارتفاعا في أسعار الذهب، نتيجة ارتفاع الطلب عليه لكونه ملاذا آمنا".


ويبني قطاع آخر من المدافعين عن الذهب، قناعتهم بأن المستقبل لا يزال يحمل آفاقا إيجابية للمعدن النفيس من حلال العلاقة المحتملة بين العرض والطلب.
توم وايبل الخبير الاستثماري في صندوق التحوط البريطاني "سي كيو إس"، يعتقد أن "الذهب ما زال يواجه تحديات على مستوى العرض وأي زيادة في الطلب من شأنها أن ترتفع الأسعار".
ويضيف وايبل أن "الفترة الأخيرة شهدت نشاطا ملحوظا في مجال الاندماج والاستحواذ بين شركات إنتاج الذهب العالمية، ويعكس ذلك الصعوبة المتزايدة في العثور على احتياطات الذهب وتعدينها، بينما يأتي الطلب خاصة من قبل البنوك المركزية ملحوظا، حيث بلغت المشتريات الصافية من المعدن من قبل البنوك المركزية العام الماضي 651.5 طن، وهذا أعلى مستوى منذ أكثر من 50 عاما".


وبغض النظر عن رؤية أنصار الاستثمار في الذهب أو المتشككين في جدوى الاستثمار فيه حاليا على الأقل، يصبح التساؤل حول التوقعات السعرية لهذا العام مهما ومشروعا.
جوليا أريب نائب المدير التنفيذي في اتحاد لندن للسبائك، تعتقد أن الذهب سيحقق مكاسب متواضعة هذا العام، ولن يتجاوز 1.8 في المائة، ومن الممكن أن تتجاوز الأسعار 1400 دولار للأونصة بقليل في بعض الأحيان.
وتضيف لـ "الاقتصادية"، أن "بعض المضاربين المتفائلين بشأن مستقبل الذهب يتوقعون 1475 دولارا للأونصة، ولكنني أعتقد أن هذا إغراق في التفاؤل غير مدعوم بعوامل واقعية في الأسواق حاليا، كما أن توقعات البعض بأن يظل المستوى السعري أقل من 1300 دولار للأونصة إغراقا في النظرة السلبية، وفي الأغلب فإن المتوسط سيراوح بين 1330 و1355 دولارا للأونصة".