هشام محمود&&


في تصريحات صادمة لكثيرين، قال الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما خلال حملته للفوز بولاية رئاسية ثانية أمام طلاب جامعة نورث كارولينا، إنه وزوجته ميشيل لم يستطيعا سداد القرض الطلابي الذي حصل عليه لسداد تكاليف دراستهما الجامعية، إلا بعد أن بلغ من العمر 44 عاما وميشيل 41 عاما.
مرت قرابة ست سنوات على تصريحات أوباما، لكن أزمة ديون القروض الطلابية في الولايات المتحدة وفي عديد من الدول الأوروبية ما زالت قضية محورية، ومحل جدل سياسي واقتصادي كبيرين بشأن تأثيراتها الاقتصادية والاجتماعية.
وكانت هذه القضية أحد الأسباب التي أدت إلى خسارة ثالث أكبر حزب في بريطانيا، "الديمقراطيين الليبراليين" عديدا من المقاعد الانتخابية، وتقلص عدد أعضائه في مجلس العموم البريطاني إلى 11 مقعدا حاليا، بعد أن تعهد خلال الانتخابات بعدم زيادة المصروفات الجامعية.
لكنه عندما دخل في تحالف حكومي مع حزب المحافظين وافق على زيادة المصاريف الجامعية، وبالطبع زيادة قيمة القرض الذي يجب الحصول عليه لسداد تكاليف الدراسة الجامعية، والنتيجة كانت منح عديد من فئات المجتمع البريطاني - وفي مقدمتهم بطبيعة الحال الطلاب - أصواتهم الانتخابية إلى أحزاب أخرى عقابا لليبراليين الديمقراطيين.


وعلى الرغم من غياب تقدير لإجمالي قيمة ديون القروض الطلابية على المستوى العالمي، إلا أن الأرقام المتاحة لبعض البلدان تظهر طبيعة التحدي الذي يواجهه الجميع.
ووفقا لبيانات موقع "بلومبيرج"، فإن ديون قروض الطلاب في الولايات المتحدة تبلغ حاليا 1.4 تريليون دولار، وفي المملكة المتحدة كشفت لجنة الشؤون الاقتصادية في مجلس اللوردات، أن إجمالي ديون القروض الطلابية في بريطانيا سيصل إلى تريليون جنيه استرليني عام 2044 و1.2 تريليون عام 2049.


حتى في البلدان التي يعد التعليم الجامعي مجانا فيها، فإن الطلاب مسؤولون إلى حد كبير عن تغطية تكاليف المعيشة وبعض النفقات الأخرى التي لا تعد تعليمية، والنتيجة أنهم يتخرجون في الجامعة مكبلين بالديون.
وفي السويد التي لا توجد فيها رسوم للدراسة الجامعية، فإن 70 في المائة من الطلاب يحصلون على قروض لسداد المصاريف الأخرى مثل: الإقامة والمواصلات وغيرها، والنتيجة أن متوسط الدين لكل خريج جامعي سويدي يبلغ 20 ألف دولار.
لكن الأمر لا يقف حصرا على البلدان المتقدمة، فتكاليف الدراسة الجامعية في البلدان النامية أو الناشئة تظل أقل مقارنة بنظيرتها في البلدان المتقدمة، إلا أنها تظل مكلفة بشكل كبير بالنسبة لعدد كبير من السكان، نظرا لانخفاض مستوى الدخل، مقارنة بالبلدان المتقدمة أيضا.
وعلى المزارع في الصين أن يعمل 14 عاما لتمويل الرسوم الدراسية في إحدى الجامعات الصينية، وفي المناطق الحضرية يدفع الشخص ما يعادل أربع سنوات من دخله للدراسة الجامعية.
الدكتور جيرمي كندال أستاذ الاقتصاد في جامعة نيوكاسل، يدعو إلى ضرورة إعادة النظر في مجمل فلسفة ديون قروض الطلاب، التي باتت من وجهة نظره تؤثر في قطاعات اقتصادية أخرى، تبدو للوهلة الأولى لا علاقة لها بتكاليف الدراسة الجامعية، مشيرا إلى الآثار السلبية للديون الطلابية على قطاع العقارات.
ويضيف لـ "الاقتصادية"، أن "خمس خريجي الجامعات غير قادرين على شراء أو اقتناء منزل، نتيجة مواصلة سداد الدين الطلابي، وفي بعض الدراسات أشار أكثر من 51 في المائة من العينة البحثية إلى أنهم لا يملكون ما يكفي من دخل لشراء وحدة سكنية، بسبب مواصلة سداد الديون التي اقترضوها لدفع المصاريف أو التكاليف الجامعية".


ويشير كندال إلى أن "بعض الدراسات كشفت أيضا أن أولئك الذين تقل أعمارهم عن 35 سنة قد خفضوا إنفاقهم مقارنة بالأجيال السابقة، وهذا يعود إلى مجموعة من العوامل في مقدمتها الديون التعليمية".
وأدى عدم قدرة الشباب على شراء وحدة سكنية، وانخفاض إنفاقهم، إلى تنامي الدعوات بين عدد كبير من الاقتصاديين والمشرعين للمطالبة بطرح سياسة جديدة للتعامل مع الديون التعليمية.
نيل ماجوت الباحث الاقتصادي وعضو حزب العمال يعتقد أن "الديون التعليمية تفوق ديون الرهن العقاري وفقا لبعض التقديرات الحكومية، بل إن معدل نمو الديون الطلابية أعلى بكثير من الديون العقارية التي لا يتجاوز نموها 3.2 في المائة، بينما نمت ديون قروض الطلاب 102 في المائة، ويؤدي تنامي الديون الطلابية لانخفاض الإنفاق، ومن ثم الحد من النمو الاقتصادي، ولهذا لا بد من توسيع نطاق إلغاء الديون الطلابية للخرجين الجامعين المتعثرين في السداد، إذ سيسهم ذلك في تحرير القدرات المالية لجزء كبير من الفئات الشابة في المجتمع، وهي بصفة عامة لديها ميل كبير للإنفاق، ما يعني أن ما سيتوفر لها من أموال سيضخ في أنشطة اقتصادية أخرى، وسيرفع من معدلات النمو الاقتصادي والمستوى المعيشي في الوقت ذاته".


ويتوقع بعض الخبراء المصرفيين أن تأخذ قضية الديون الطلابية أبعادا أكثر تعقيدا خلال السنوات المقبلة، فالارتفاع المتواصل في تكاليف الدراسة الجامعية في أنحاء العالم كافة، والزيادة السكانية الكبيرة، ومعها زيادة أعداد الطلاب الراغبين في الالتحاق بالتعليم الجامعي.
أضف إلى ذلك زيادة عدد الفتيات المسجلات في التعليم الجامعي، وفي بعض البلدان تجاوزت نسبة تسجيل الفتيات في التعليم الجامعي نسبة تسجيل الرجال، ويعني هذا زيادة الطلب على القروض التعليمية.
لكن مع التقلبات التي يشهدها الاقتصاد العالمي، والمخاوف المحيطة بارتفاع معدلات التضخم وزيادة معدلات البطالة، تضع شكوكا حول قدرة قطاع كبير من خريجي الجامعات، على سداد ما عليهم من ديون طلابية، وهو ما سيضع النظام البنكي أمام تحديات كبيرة.
ففي الولايات المتحدة على سبيل المثال، هناك نحو 7 ملايين مقترض أو ما يعادل 14 في المائة من الخريجين الذين اقترضوا لسداد تكاليف الدراسة، هم في حالة تخلف عن السداد، وواحد من كل أربعة طلاب من مواطني الاتحاد الأوروبي غير قادر على سداد ما عليه من ديون تعليمية.
وتوضح لـ "الاقتصادية"، أماندا توماس رئيسة قسم الإقراض في مجموعة "نوتينج هل" للإقراض المالي، أن "هناك زيادة ملحوظة بشأن حالات التخلف عن السداد بالنسبة للقروض التعليمية، حتى مع انخفاض معدلات البطالة، ويعود ذلك إلى أن انخفاض معدلات البطالة لم يترافق مع نمو كاف للأجور، ومع ارتفاع معدلات التضخم فإن الدخل الشهري لعديد من الشباب الذين اقترضوا لم يعد كافيا لتلبية تكاليف حياة معيشية كريمة، لذلك يعجزون عن سداد القرض التعليمي واجب السداد".
ومع هذا، يرى مختصون أن هناك مجموعة من العوامل التي تجعل من قضية الديون التعليمية المتعثرة أقل خطورة من غيرها من قضايا الديون المتعثرة.


ويقول لـ "الاقتصادية"، جون جيمس الاستشاري المصرفي في مجموعة "نيت ويست" المصرفية، إن "معظم القروض تتم برعاية حكومية، ولذلك لا يتوقع أن يؤدي التعثر إلى الإضرار بالاقتصاد، أو إحداث أزمة مالية كما فعلت ديون الرهن العقاري عام 2008، لكنها بلا شك ستؤدي إلى تزايد نسبة العجز في الميزانية العامة إذا لم تسدد القروض التعليمية".


ويضيف "لكن الاتفاق العام على المزايا الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للتعليم العالي، لا ينفي أن هناك جدلا واسع النطاق حول من يتحمل تكاليفه الباهظة، ومتى يجب التسامح مع الديون التعليمية، وبينما يطالب البعض بأن يتم تغطيه تكاليف التعليم العالي من خلال الضرائب الحكومية، وأن يتم توسيع نطاق شروط التنازل عن الديون التعليمية، فإن الاتجاه العالمي لا يبدو أنه يسير في هذا الاتجاه". وتقود الدعوات الدولية لخفض الضرائب، وتخفيف الضغط على الموازنات العامة، اتجاها عاما لتحميل الطلاب الرسوم الدراسية والتكاليف ذات الصلة، لأنهم سيحصلون على وضع مالي واجتماعي أفضل نتيجة التعليم، ومن ثم ضرورة تحويل تكاليف التعليم العالي من الحكومة إلى الطلاب والأسر، وإذا كان ذلك التحول سيؤدي إلى زيادة ديون الأفراد، وكذلك الحكومات التي تعد الضامن الأساسي لتلك القروض.
وربما يكون دخول المؤسسات المالية الخاصة والشركات الكبرى لضمان تلك القروض وتحصيلها، الحل من وجهة نظر البعض.

&