&FINANCIAL TIMES

في السياسة الاقتصادية تحصل على ما تدفع مقابله& & &

&مارتن ساندبو&&

في مقال سابق، كتبت كيف أن الاختلاف بين شركات غسيل السيارات في الاقتصادات المختلفة يدور حول: هل يوفر المزودون غسيلا آليا أم يدويا؟&
ذلك دلالة على نوعين مختلفين من الرأسمالية. الأول يشجع نماذج الأعمال التي تستخدم بشكل مكثف العمالة منخفضة الإنتاجية ذات الأجور المنخفضة، والثاني قائم على الأجور العالية، إلا أنه يستثمر أكثر في رأس المال المكثف الموفر للعمالة.
تحقيق النمو من خلال خفض الوظائف القائمة على العمالة الرخيصة يقدم وعدا بنمو الأجور والإنتاجية.&


إلا أنه يطرح أيضا السؤال الذي يقع في قلب التغييرات الاقتصادية في الغرب على مدى العقود الأربعة الماضية، والعقود المقبلة: ماذا سيحدث للعاملين الذين يتم التخلص من مهامهم؟ وليس منهم فحسب.
رفع الحد الأدنى من نطاق الأجور لا يساعد أي شخص ترك بلا عمل، على أنه حين تنظر إلى تجربة الدول الاسكندنافية، سترى أن المشاركة في العمل لم تتعطل، على العموم، بسبب الإقبال السريع على التكنولوجيا الموفرة للعمالة.
ما السبب في هذا؟ باستثناء أن المساواة في الأجور تشجع الأتمتة، هناك مكونان آخران للخلطة السرية في البلدان الاسكندنافية، يتكفلان عموما بتقديم الطريقة التي يعمل بها النموذج الاستثنائي الناجح الفريد.
الأول هو تاريخ إدارة الطلب الكلي القوية في سياسة الاقتصاد الكلي. مبدأ المساواة في الأجور يغير تكوين الوظائف في الاقتصاد، بنقلها نحو مهام أكثر كثافة من حيث رأس المال، وذات إنتاجية عالية في المتوسط – إلا أن العدد الإجمالي لتلك الوظائف يعتمد على الطلب الكلي في الاقتصاد.&
إذا تم استخدام أدوات سياسة الاقتصاد الكلي مثل أرصدة الموازنات العامة وأسعار الفائدة التي تتحكم فيها المصارف المركزية بقوة كافية، عندها يمكن إيجاد وظائف أفضل وجديدة بما يكفي لتعويض كل الوظائف ذات الإنتاجية المنخفضة، التي فقدت بسبب ارتفاع الأجور جدا لأجل توظيف الأشخاص فيها.&
الدول الاسكندنافية استخدمت تاريخيا هذه الأدوات بشكل جيد. يمكن أن يقوم كثير من البلدان بعمل أفضل بكثير.&
لا يوجد نقص في أدوات السياسة – حتى في العصر غير المسبوق اليوم من الديون العامة المرتفعة وأسعار الفائدة المنخفضة جدا – سوى عدم الجرأة من قبل صناع السياسة النقدية أو الاقتصادية، في استخدام الذخيرة التي لديهم لدفع الطلب الكلي إلى الأعلى.
فيما يتعلق بالمكون الثاني، لا يمكن أن تنجح سياسة إيجاد الوظائف القوية إلا إذا تم تجهيز العاملين لملء الأدوار الجديدة والأكثر إنتاجية.&
هذا يتطلب أمرين: يجب أن يكون العاملون قادرين ومستعدين لإداء الوظائف الجديدة، ويجب على سوق العمل أن تقوم بأكبر قدر ممكن بتسهيل انتقال العاملين من وظيفة إلى أخرى، إذ تصبح الأدوار ذات الإنتاجية المنخفضة في عداد القديمة.&
الدول الاسكندنافية تتفوق في كلا الأمرين، الأمر الذي يمكن رؤيته في الأموال التي تستثمرها في هذه الأولويات والنتائج التي تحققها.&


البلدان الاسكندنافية الخمسة هي ضمن الستة الأوائل في جدول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية "أوسيد"، فيما يتعلق بنسبة الدخل القومي الذي يتم إنفاقه على التعليم من المرحلة الابتدائية إلى التعليم العالي.&
الحكومتان الدنماركية والنرويجية كلتاهما تنفقان أكثر من 6 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي على التعليم؛ وكل الدول الأخرى تنفق أكثر من 5 في المائة. إذن، ليس من المستغرب أنها أيضا تحتل مرتبة عالية فيما يتعلق بمهارات البالغين المعرفية، وهي أمر مهم للقدرة على العمل في اقتصاد متغير.
أما فيما يتعلق بمساعدة العاملين على الانتقال بين الوظائف، فإن أسواق العمل في البلدان الاسكندنافية تتميز بما تدعوه الدنمارك "الأمن المرن" – أي القواعد المرنة للتعيين والتسريح من العمل، مع وجود سياسات ومؤسسات لتحسين فرص الحصول على وظيفة جديدة.&
في السويد، على سبيل المثال، فإن منظمات أصحاب العمل مسؤولة عن مخططات إعادة توزيع العاملين، لإيجاد وظائف جديدة للعاملين الذين تم صرفهم من العمل.&
الدنمارك لديها أعلى معدل للإنفاق العام على "سياسات سوق العمل النشطة" بين الاقتصادات الغنية: حيث تنفق الحكومة نحو 2 في المائة من دخلها القومي من أجل مساعدة العاملين في العثور على وظائف جديدة، معظمها تذهب إلى التدريب وعلى إيجاد فرص عمل محمية أو مدعومة أو إعادة تأهيل العاملين.&
السويد وفنلندا تحتلان المرتبة التالية بنحو نصف تلك النسبة؛ فيما تنفق الولايات المتحدة نسبة ضئيلة تبلغ 0.11 في المائة.&


نتيجة لذلك، يتمكن السويديون والدنماركيون والفنلنديون من الانتقال بين الوظائف أكثر من جميع العاملين الأوروبيين الآخرين، حيث يقوم ربعهم بتغيير الوظائف كل عام.
أي شخص يرى تجربة الدول الاسكندنافية كنموذج يجب أن يقبل أنه من الصعب تكرار الإعداد المؤسسي، والمواقف الثقافية التي تفضل الأجور المرتفعة والمساواة هناك. ينبغي أن يكون تنفيذ العنصرين الآخرين في النموذج – وهما مستويات المهارات العالية والتدفقات السهلة بين الوظائف – أكثر يسرا.
البلدان التي حققت هذه الأهداف هي تلك التي اختارت تكريس الموارد لها. تستطيع البلدان الأخرى توجيه مواردها بالطريقة نفسها، وبالتالي يحق لها توقع نتائج مماثلة، إذا نجحت في تحديد الأولويات وفقا لذلك.

&