محمد شقير

الأجواء الإيجابية التي اتسم بها استقبال خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، لرئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري، كانت حاضرة بامتياز في لقاء المصالحة الذي عُقد بين الأخير والوزير السابق أشرف ريفي، بحضور رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة، والوزير السابق رشيد درباس، اللذين لعبا دوراً في إنهاء الخلاف بين الحريري وريفي، وهو ما سيدفع في اتجاه إعادة خلط الأوراق لصالح مرشحة تيار «المستقبل» ديما جمالي، للانتخابات الفرعية التي تُجرى في طرابلس في 14 أبريل (نيسان) المقبل، والتي ستتيح لها استعادة مقعدها النيابي الذي شغر بقبول المجلس الدستوري الطعن في نيابتها الذي قدمه منافسها مرشح «جمعية المشاريع الخيرية في لبنان» - «الأحباش» طه ناجي.
وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر وزارية ونيابية مواكبة للأجواء التي سادت استقبال الملك سلمان بن عبد العزيز، للرئيس الحريري في قصر اليمامة في الرياض بأن الذين التقوا الأخير فور عودته من المملكة العربية السعودية خرجوا بانطباع بأنه أعرب عن ارتياحه لهذا اللقاء الذي ستكون له نتائج إيجابية في دعم لبنان للنهوض من أزماته الاقتصادية والمالية.


وكشف زوّار الرئيس الحريري لـ«الشرق الأوسط» أنه سيتوجّه ثانيةً إلى الرياض في اليومين المقبلين ورجّحوا أن ينتقل إليها من بروكسل التي وصل إليها، أمس، على رأس وفد لتمثيل لبنان في المؤتمر السنوي الثالث للدول والمؤسسات المانحة المعنية بتوفير الدعم المالي للبنان لاستضافته أكثر من مليون نازح سوري. وأكد زوّار الحريري أن عودته ثانية إلى الرياض تأتي في سياق استكمال محادثاته المثمرة التي كان قد أجراها مع خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز.
لذلك، فإن ارتياح الرئيس الحريري لمحادثاته في الرياض اقترن هذه المرة بارتياحه حيال إصراره واللواء ريفي على طي صفحة الماضي وفتح صفحة جديدة انطلاقاً من وجود شعور لديهما بأن استهداف أحدهما لا يعفي الآخر من الاستهداف، وبالتالي لا خيار أمامهما سوى مواجهة التحدّيات من موقع واحد.
وعلمت «الشرق الأوسط» أن مصالحة الحريري - ريفي شكّلت مفاجأة للشارع الطرابلسي وكان للسنيورة ودرباس دور في العودة بعلاقة الحريري وريفي إلى بر الأمان، خصوصاً أنهما خاضا هذه المهمة بعيداً عن الأضواء. فقد قاما بدور الرافعة لإنهاء الخلاف بين الحريري وريفي، وارتأيا أنه من غير الجائز عدم الالتفات إلى الانتخابات الفرعية في طرابلس والتعامل معها على أنها الاستحقاق الذي يستدعي التحرّك لرأب الصدع بينهما.


وكان السنيورة ودرباس قد انطلقا لتهيئة الأجواء أمام إنجاز هذه المصالحة منذ أكثر من أسبوعين، وكانت البداية باتصال أجراه ريفي بدرباس أعقبه لقاء بينهما بعلم السنيورة. وأكد ريفي في هذا اللقاء، كما علمت «الشرق الأوسط»، أنه لا يبحث عن مقعد نيابي، و«لا أريد أن يُهزم الرئيس الحريري في طرابلس، وبالتالي لا أسمح لنفسي بأن أكون طرفاً لاستهدافه». لكن ريفي اقترح دعمه أي مرشح يمكن أن يختاره الحريري كبديل عن ترشُّح ديما جمالي. وكان رد درباس ولاحقاً السنيورة عندما التقى ريفي في بيروت بأن الحريري يتمسّك بترشّحها لأنها عنوان معركته السياسية. إلا أن ريفي سرعان ما أبدى مرونة وانفتاحاً تأكيداً منه على أن المعركة تستهدف الحريري الذي كان أُعلم خلال وجوده في الرياض بالأجواء الإيجابية التي سادت اجتماعات اللحظة الأخيرة وتحديداً لقاء السنيورة - ريفي.
ولدى عودته من الرياض كانت التحضيرات قد أُنجزت لمصالحته مع ريفي، وبادر إلى إعطاء الضوء الأخضر بأن تتوّج المصالحة في اللقاء الذي عُقد ليل أول من أمس، في منزل السنيورة.
ومع تحديد ساعة الصفر لتحقيق المصالحة، ارتأى الحريري والسنيورة وريفي ضرورة دعوة درباس للمشاركة فيها، وهذا ما حصل فوراً بانتقال الأخير من طرابلس إلى بيروت وأيضاً بانضمام المستشار الإعلامي للرئيس الحريري هاني حمود، إلى اللقاء.
وعلمت المصادر أن الأسباب التي أدت إلى الخلاف بين الحريري وريفي غابت كلياً عن المداولات التي جرت في اللقاء، ما يعني أنهما ليسا في وارد العودة إلى الماضي ما داما اتفقا على فتح صفحة جديدة.
وفي هذا السياق أجمع معظم الذين شاركوا في لقاء المصالحة، أنهم لاحظوا بعد أقل من 3 دقائق على بدء الاجتماع، كأنّ لا مشكلة بينهما وكأن اجتماعهما يأتي استكمالاً لاجتماع عُقد قبل أيام.


ونقل هؤلاء عن الحريري قوله: «أنا أختلف مع فؤاد وأحياناً مع رشيد لكننا نبقى جميعاً في صف واحد ولا نسمح لهذا أو ذاك باستغلال الخلاف والعمل لخرق العائلة الواحدة». وردّ ريفي: «نحن نختلف لكننا لسنا في وارد شق الصفوف، ومَن يستهدف الرئيس الحريري يستهدفني».
وكانت للسنيورة ودرباس مداخلة قالا فيها: «المسيرة أمامنا طويلة، ولريفي حيثية ورأي ونحن نحترم رأيه، ولكن الخلاف في الرأي يبقى في إطار الحفاظ على وحدة الصف، لأننا جميعاً في خندق واحد».
وعاد الحريري إلى الحديث عن الوضع السياسي مبدياً ارتياحه إلى محادثاته في الرياض ونُقل عنه قوله: «نشهد الآن اشتباكات سياسية وإعلامية، وأنا من جانبي أسعى قدر الإمكان لتحييد هذه الاشتباكات لتوفير الحماية لوضعنا الاقتصادي الذي يمر بلحظات دقيقة، ولهذا فإن اهتمامي الأول والأخير يكمن في التحضير للإفادة من مؤتمر (سيدر) لأنه لا مصلحة في تفويت هذه الفرصة، ولهذا أضغط للإبقاء على هذه الاشتباكات في حدودها الدنيا».
وعليه، فإن قرار ريفي عزوفه عن خوض الانتخابات ودعمه لترشُّح جمالي سيكون العنوان الأول لمؤتمره الصحافي الذي يعقده، اليوم، في طرابلس ويتوجّه من خلاله إلى محازبيه وأنصاره شارحاً لهم الأسباب التي دفعته إلى اتخاذ موقفه هذا، إضافة إلى وضعهم في أجواء المصالحة.
وطبيعي أن يؤدي عزوف ريفي إلى سحب الرهان على أن ترشّحه سيؤدي إلى تشتيت الأصوات وتحديداً على يد من يتطلعون إلى إضعاف الحريري، وبالتالي فإن المنافسة في طرابلس ستعيد خلط الأوراق تحالفاً وترشُّحاً وستلقى جمالي دعماً انتخابياً «كامل الأوصاف»، ويبقى على القوى السياسية الداعمة لها أن تتعامل منذ الآن على أن المعركة هي معركتها، وهذا يتطلب منها ترجمة الدعم بالإقبال بكثافة على صناديق الاقتراع.


وفي المقابل، لا بد من مواكبة القرار الذي سيصدر عن «جمعية المشاريع» وما إذا كانت ستعيد ترشيح طه ناجي أم أنها ستصرف النظر عن خوض الانتخابات لأن ملء المقعد النيابي الشاغر على أساس النظام الأكثري لن يكون لمصلحتها خلافاً لخوضها الانتخابات العامة في مايو (أيار) الماضي على أساس النظام النسبي، إلا إذا ارتأت أن هناك ضرورة للدخول في اختبار لقوّتها رغم أنها لن تتخذ قرارها بمعزل عن التنسيق مع حلفائها.