نبيل السهلي

بعد تكليف الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، محمد اشتية عضو اللجنة المركزية لحركة فتح رئيساً لمجلس الوزراء، تبرز أسئلة عدة حول التحديات التي ستواجهها الحكومة الفلسطينية المقبلة، وفي المقدمة منها صفقة ترامب التي سيعلن عن تفاصيلها بعد الانتخابات الإسرائيلية في التاسع من نيسان (أبريل) المقبل، والهادفة إلى تصفية القضية الفلسطينية. لهذا بات من الضروري العمل من أجل ترسيخ الوحدة الوطنية الفلسطينية بأسرع وقت ممكن، وضم القوى الفلسطينية الصامتة -شخصيات فلسطينية اقتصادية وسياسية، وفعاليات وهيئات المجتمع المدني- إلى الصيغ الجديدة التي سيتم التوافق عليها، حتى تكتمل دوائر القوة، سواء في إطار السلطة الوطنية الفلسطينية أم في أطر منظمة التحرير الفلسطينية ومؤسساتها ودوائرها المختلفة، خصوصاً وأن نظام المحاصصة بين فصائل محددة أثبت فشله خلال الفترة السابقة.

واللافت أن فرص تعزيز المصالحة وتوسيع مشاركة القوى الصامتة في اتخاذ القرار الوطني الفلسطيني الصائب، سيكون أمراً سهل المنال، في ظل انكشاف صورة إسرائيل العنصرية أكثر من أي وقت مضى، إذ تحولت فكرة ترسيخ الدولة اليهودية بصورة غير مسبوقة ولا معهودة إلى القاسم المشترك بين مختلف التيارات، والكتل، والأحزاب، والاتجاهات السياسية والاجتماعية والثقافية في إسرائيل. وبطبيعة الحال هناك أهداف متشعبة تسعى إسرائيل لتحقيقها من وراء جعل يهودية الدولة حقيقة على الأرض، في مقدمتها إنهاء حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى وطنهم (ستة ملايين لاجئ فلسطيني خلال العام الحالي 2019)، وتصفية وإزاحة الأساس القانوني لهذا الحق والحلم والأمل من أجندة الأمم المتحدة بدايةً، لشطب وتصفية الحق الفلسطيني الأهم في إطار الحقوق الفلسطينية المختلفة. ونقصد هنا العمل على شطب القرار 194 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 11/12/1948، والداعي إلى عودة اللاجئين الفلسطينيين في أقرب فرصة ممكنة، والتعويض عن الأضرار التي لحقت بهم جراء اللجوء القسري في العام المذكور، هذا فضلاً عن محاولة تهميش الأقلية العربية في داخل الخط الأخضر في كافة مجالات الحياة.

ومن التحديات الأخرى التي تواجه الحكومة الفلسطينية المقبلة النشاط الاستيطاني، الذي ازدادت وتيرته في ظل حكومة نتنياهو الحالية، إذ تشير المعطيات إلى ارتفاع عدد المستوطنين في الأراضي الفلسطينية إلى نحو 670 ألف مستوطن إسرائيلي في بداية العام الحالي 2019، في الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، ويقيمون في 196 مستوطنة و120 بؤرة استيطانية، ولم تخفِ إسرائيل المخططات الاستراتيجية حول القدس، والتي تهدف إلى مصادرة القسم الأكبر من مساحتها وعقاراتها ومحالها التجارية، وجعل العرب أقلية في مدينتهم، بحيث لا تتجاوز نسبتهم 12 في المئة من سكانها بحلول عام 2020.

وثمة تحديات اقتصادية تواجه الحكومة الفلسطينية القادمة، إذ تمت عملية ربط قسري للاقتصاد الفلسطيني بعجلة الاقتصاد الإسرائيلي، ومن ثم اعتماده على المساعدات الدولية بعد اتفاقات أوسلو. لقد باتت السلطة الفلسطينية عرضة لابتزاز أميركي واضح، وتبعاً لذلك ستواجه الحكومة الفلسطينية القادمة تحديات اقتصادية مختلفة، خاصة في ظل عدم استقلالية الاقتصاد الفلسطيني، وسيطرة إسرائيل على دينامية واتجاهات التجارة الخارجية وقوة العمل الفلسطينية. وما يزيد الضغوط الخارجية، وفي مقدمتها الأميركية، حاجة السلطة الفلسطينية لمساعدات مالية شهرية تقدر بنحو 150 مليون دولار، جلها يتم صرفه كرواتب لعاملين في الوظائف المختلفة. وهناك تحديات لا تقل أهمية عن سابقاتها، تتمثل في معدلات البطالة التي وصلت إلى أكثر من 20 في المئة في الضفة الغربية، ونحو 60 في المئة في قطاع غزة بفعل الحصار الإسرائيلي المستمر، فضلاً عن معدلات الفقر المرتفعة التي وصلت إلى 65 في المئة من الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وهذا يتطلب من الحكومة الفلسطينية القادمة العمل على القيام باستثمارات جديدة للحد من معدلات البطالة والفقر.

وفي الوقت الذي ترفض فيه العديد من الفصائل والقوى الفلسطينية المشاركة في حكومة اشتية، ثمة إجماع بين المحللين السياسيين على أن حكومة مستقلين من الكفاءات الوطنية الفلسطينية هي المخرج الأساس لجميع الفصائل الفلسطينية، من أجل تشكيل حكومة وطنية تستطيع رفع الحصار عن الشعب الفلسطيني ومواجهة الضغوط الأميركية والإسرائيلية، وتعمل في الوقت ذاته من أجل مطالبة المجتمع الدولي بوقف النشاط الاستيطاني الكثيف في الأراضي الفلسطينية، وبشكل خاص في مدينة القدس، وتسعى جاهدة للانطلاق بشكل سريع لإعادة إعمار ما دمرته آلة الحرب الإسرائيلية أثناء الاعتداءات المتكررة على قطاع غزة، والتي تسببت في تدمير آلاف الأبنية السكنية وسقوط آلاف الشهداء والجرحى.

ويجب أن تكون عملية ترسيخ الوحدة الوطنية في الميادين كافة أولوية الحكومة الفلسطينية القادمة، بغض النظر عن تركيبتها، وذلك بغية تجميع القوى لمواجهة التحديات التي تعصف بالقضية الفلسطينية. ولذلك تحتم الضرورة الاتفاق على برنامج سياسي مشترك وجامع للقوى الفلسطينية كافة، يأخذ بعين الاعتبار الحفاظ على الثوابت الفلسطينية، وعدم الاعتراف بمحتويات صفقة ترامب، ويمكن التأكيد بأن مواجهة التحديات المشار إليها تتطلب إرادة فلسطينية سياسية صادقة، تتخطى الحساسيات والحسابات الفصائلية الضيقة، للوصول إلى الأهداف المرجوة، لكن عقد المصالحة الفلسطينية الحقيقية يبقى الرهان الأكبر لمواجهة التحديات، التي تعصف بالمشروع الوطني الفلسطيني، إذ باتت مطلباً جوهرياً للشعب الفلسطيني وقواه الحية في الداخل الفلسطيني وفي الشتات، بغية حماية المشروع الوطني الفلسطيني وتحقيق الأهداف الوطنية الفلسطينية الأسمى.

* كاتب فلسطيني.