&علي بن محمد الرباعي

إلى هذا اليوم ونحن نترقب اعتماد وإعلان الإستراتيجية الثقافية التي انتظرتها الأنتلجنسيا طويلاً، ويحدونا كبير أمل أن تحقق كثيراً من التطلعات، خصوصاً أنني أعد نفسي أحد الراصدين لأحلام وآفاق طموحات رسمها المثقفون منذ توحدت هذه البلاد، وأذكر أننا عندما بدأنا العمل الصحفي في جريدة الحياة عام 2004 كانت مطالبات المثقفين هي ذات مطالبهم الآن، أي بمرور عقد ونصف علينا في مهنة المتاعب لا تزال تطلعات المثقف كما هي، وكأنما ذهبت كل التحقيقات الصحفية والمناشدات أدراج الرياح.

ولا يمكن أن ينطبق ما نسب إلى (غوبلز) وزير دعاية هتلر، من قوله «كلما سمعت عبارة (ثقافة) تحسستُ مسدسي» على مشهدنا المحلي خاصة، الذي استبانت له الحقائق، وتجلت شفافية النخب الثقافية التي هي مع الوطن بكل مشاعرها، وانتمائها، وليس لديها مثقال ذرة من نوايا الغدر أو الخيانة أو الولاءات العمياء، بل ولم يحسد المثقف بقية مكونات المجتمع على نيلها لحقوقها في الرياضة والترفيه لكنه مؤمن بأن له حقاً كبيراً على وطنه.

المثقف كائن إنساني حالم، ولولا أحلامه وآماله وحسن ظنه بالزمن لتوقف عن القراءة والكتابة وانعتق من كل ذلك الهم الثقيل إلا أنه مقتنع بأن الثقافة هي الوعاء الوطني لأي منجز، فالثقافة تعزز المسؤولية وتنمي روح المواطنة، وتحفِّز للعمل والإنجاز، وتؤسس لتراكم معرفي واقتصادي متين، وهو المبشِّر الأكبر بفضاءات أرحب وأجمل وأثرى، ونظراً لشفافيته فهو أسرع الناس تأثراً، وأقربهم لعطب الروح، ومهما أبدى في كتاباته أنه صلب العود إلا أنه قابل للانكسار مع أي موقف محرج يتعرض له، خصوصاً حين يستعصي عليه إنهاء معاملة أو مداواة قريب أو علاج نفسه، أو تأمين معيشته.

يقال إن بلدية لندن كانت تعلِّق لوحة في حي أحد كبار الكُتَّاب عند ساعة محددة وتطالب المواطنين بالهدوء لأن المثقف الكبير يكتب. يا لها من رفاهية!! إلا أن المثقف السعودي لا يرتفع سقف طموحاته إلى مستوى المطالبة بتعليق لوحات تطالب بالهدوء، لأنه لا يمكنه التمتع به داخل منزله، فالطموحات ليست ذاتية مهما بلغت قسوة الظروف الحياتية، ولذا يتطلع إلى تعزيز دور المؤسسات الثقافية، وإنشاء اتحاد كتَّاب، أو جمعيات ثقافية لكل فن إبداعي، وطباعة كتب المؤلفين، ونشرها وتوزيعها، وضمان حقوقهم الأدبية والمادية، ومرونة وصول المنتج إلى القراء. المثقف كيان، وبناء وطني، وقيمة ثقافتنا من قيمة مثقفينا.

&