&محمد حسين أبوالحسن

فى كتابه (الدول المحورية)، عرّف المفكر الأمريكى بول كينيدى مفهوم الدولة المحورية بأنها بقعة جغرافية ساخنة، لا تحدد مصير إقليمها فحسب، بل تؤثر فى الاستقرار العالمى أيضا، استنادا إلى اعتبارات:الموقع الجيواستراتيجى والمساحة والإمكانات الاقتصادية والقدرة على التأثير بالمسرح الإقليمى والدولى. حدد كينيدى تسع دول فى العالم ينطبق عليها وصف (محورية)، على رأسها مصر، ومن بينها الهند وباكستان وإندونيسيا والبرازيل والمكسيك وتركيا وجنوب إفريقيا والجزائر.

&وليس مستغربا أن تنضم الجزائر بلد المليون ونصف المليون شهيد إلى قائمة الدول المحورية، حيث تتمتع بموقع جغرافى استراتيجى، 2٫4 مليون كيلومتر بشمال إفريقيا، قرب أوروبا، تمتلك مخزونات هائلة من البترول والغاز والفوسفات والحديد واليورانيوم وغيرها، يمكن أن تقودها إلى قائمة الأكثر ثراءً فى العالم، تجنى نحو 60 مليار دولار سنويا من تصدير النفط والغاز، الجيش الجزائرى هو القوة الثانية فى إفريقيا - بعد الجيش المصرى- كما تحوز نفوذا واضحا فى القضايا الإقليمية.

أفلت الجزائريون من موجات الربيع العربى، حتى تحدث بعضهم عن (الاستثناء الجزائرى)، ذاق القوم مرارات العشرية السوداء فى تسعينيات القرن الماضى، لكن الأزمة التى تفجرت خلال الأيام الأخيرة، ونزول الشعب إلى الشارع، لقطع الطريق أمام الولاية الخامسة للرئيس بوتفليقة، أثبتت أن الاستثناء ليس قائما، الأزمة بالجزائر، اليوم، أكثر تعقيدا مما تبدو على السطح، تتدفق أسبابها عبر مسارات متعددة، منفصلة لكنها متداخلة. أولها إصرار بوتفليقة على الترشح لولاية جديدة- قبل عدوله عن الترشح- برغم تردى حالته الصحية، بما يعجزه عن النهوض بجسامة مهام منصبه. لكن ربما تكون تلك هى القشة التى قصمت ظهر البعير، ففى بلد بالغ الثراء، من المفترض ألّا يكون هناك فقير، يمكن لأربعين مليون جزائرى أن يعيشوا فى رخاء، لو أن هناك توزيعٍا عادلا وعقلانيا للثروة، الحال أن الجزائر فى أزمة اقتصادية- اجتماعية تتبدى احتقانا سياسيا.. تشير التقديرات إلى أن نحو 20% من السكان تحت خط الفقر، 12% معدل البطالة، 30 مليار دولار عجز الموازنة، الحديث عن الفقر والبطالة وتدنى المعيشة فى بلد غنى أمر مستغرب، صحيح أن المناضل الكبير بوتفليقة نجح، خلال ولايتيه الأولى والثانية، فى لجم الحرب الأهلية وكبح جماح الجماعات الإرهابية المتأسلمة، والتى مارست العنف الدامى ضد الدولة والمواطنين، واستعاد الاستقرار وبدأ مسيرة التنمية. لكن زمام الأمور أفلت منه، فى ولايته الرابعة، إلى جماعات المصالح المتحلقة حوله، بالنظر لحالته الصحية، فانحرفت السياسات الاقتصادية وتفاقمت حالات الفساد. صنف تقرير منظمة الشفافية الدولية الجزائر ضمن الدول الأكثر فسادا، فشلت الدولة فى أداء مهمتها فى خدمة المواطن بوصفه هدفا للتنمية، ومع استحواذ الأقلية على الجانب الأعظم من الثروة الوطنية وتنظيم عوائدها على مقاسها، اندلع حراك اجتماعى شعبى، فى الأراضى الجزائرية، مسلحا بطاقة غضب، دفاعا عن لقمة العيش وضرورات الحياة، إنه قانون عام يتمتع بالجدارة العلمية فى كل زمان ومكان.

كرة النار مازالت فى بداية اشتعالها، فرضية يجب أن تكون حاضرة فى أذهان كل العقلاء الذين يعنيهم شأن الجزائر، هذه الدولة المحورية بالغة الأهمية على جميع المستويات فى عين العاصفة، تهب عليها رياح التدخلات الإقليمية والعالمية الطامعة المسمومة المحمومة، بينما تملأ براكين الأزمات الفضاء العربى بالغيوم الخانقة، ولاشك أن نوبة عدم الاستقرار فى الجزائر ستكون لها ارتدادات جارفة، سياسيا وأمنيا واقتصاديا واجتماعيا، بالشرق الأوسط والصحراء الكبرى وحواف أوروبا وإفريقيا. الجزائر لاعب مهم فى مكافحة الإرهاب والهجرة غير المشروعة بالساحل والصحراء، وهى أحد أكبر مصدرى النفط والغاز عالميا، مما يؤثر سلبيا على الأسواق والمستهلكين، أما الخطر الأكبر فهو استمرار الاحتجاجات، وفى حال عجزت المؤسسة العسكرية عن طرح خريطة طريق للخروج من نفق الأزمة، فإن جماعات الإسلام السياسى، لاسيما جماعة الإخوان الإرهابية سوف تغتنم الفرصة للانقضاض على السلطة، ثم تمد يدها لدعم ذيولها بدول الجوار، خاصة ليبيا وما وراءها، وتصبح الجزائر بؤرة للاضطرابات فى المنطقة والعالم، وقد تنهار الدولة الجزائرية وتتفتت فى نهاية المطاف، وإذا كنا نحب الجزائر - ونحن نحبها حقا- فعلينا ألا نخسرها!.

&