&وليد خدوري&

تبدأ في 3 أيار (مايو) المقبل المرحلة الثانية من العقوبات الأميركية على ايران، والتي تهدف الى خفض الصادرات النفطية الإيرانية "أقرب ما يمكن من الصفر". وتشمل العقوبات التي بدأ تنفيذها في 5 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي منع الدول والكيانات او الافراد من دخول الأسواق الأميركية في حال استمرار شراء النفط الإيراني أو مواصلة التعامل مع المصارف الإيرانية وذلك لمنع الوصول الى المنظومة المالية الأمريكية.


والهدف منع المؤسسات المالية الإيرانية عن نظام "سويفت" الدولي للتحويلات المالية، باستثناء التحويلات الإنسانية، كما تضمنت العقوبات حظر تجارة الذهب والالمنيوم والحديد، وشملت حظر التجارة في قطاعي السيارات والطيران التجاري، وفرض حظر على الواردات الأميركية من السجاد والمواد الغذائية الإيرانية.

لكن على ضوء التجارب السابقة، سيكون من الصعب جداً، إن ليس من المستحيل، تنفيذ هدف منع الصادرات النفطية الى "أقرب ما يمكن من الصفر". فاستطاعت ايران من خلال تجاربها السابقة تفادي سياسات الحصار النفطي، وأنشأت منافذ للتهرب من الحصار. فهناك، على سبيل المثال، البورصات المتخصصة التي لا تتعامل فيها الشركات المعنية بالدولار، وهناك المصارف التي ركزت عملياتها مع الدول المحاصرة والتي هي بدورها لا تتعامل بالدولار. من الطبيعي أن تصبح عمليات هذه المؤسسات محدودة النطاق لعدم تعاملها بالدولار. لكن تتحقق الأرباح من خلال حجم العمليات او الارباح لتي تجنيها في التعامل مع ايران المحاصرة. ونشأت هذه المؤسسات في الصين والهند، كما هناك سياسة شحن الناقلات الإيرانية الى الدول المستوردة قبيل بدء الحصار وقبض ثمن الشحنات المرسلة من المصافي مسبقاً من دون أي تجاوز رسمي للحصار. وهناك أيضاً التعامل التجاري الإيراني المتوسع النطاق مع الدول المجاورة مثل العراق وروسيا وكازاخستان وتركيا. ففي السنة المالية الماضية، استورد العراق من ايران ما قيمته نحو 6 بلايين دولار من المواد الغذائية والزراعية وأدوات منزلية ومواد احتياطية للسيارات، إضافة الى 6 بلايين دولار أخرى من الغاز الإيراني. وتشير تقارير إلى أن الرئيس حسن روحاني حاول خلال زيارته الأخيرة إلى العراق زيادة قيمة التجارة بين البلدين من 12 الى 20 بليون دولار سنوياً. وأبدت واشنطن انزعاجها من هذا التوسع التجاري بين الدولتين.

وعلى رغم كل المحاولات لتفادي الحصار، تضرر الاقتصاد الإيراني بقوة وتراجع مستوى المعيشة المواطنين وزادت عمليات الفساد والتضخم اللذين يتفشيان جراء الحصار. واضطرت طهران الى تقليص الموازنة والنفقات وتقليص الاعتماد على النفط.

وتكمن أهمية موعد 3 أيار المقبل ، بأنه نهاية موعد الاستثناءات التي منحتها واشنطن لأهم الدول المستوردة للنفط الإيراني. وبدأت الصادرات تتدهور الى نحو مليون برميل يومياً مقارنة بمستواها قبل الحصار البالغ 2.3 مليون برميل يومياً. وتوقعت الموازنة المقترحة ان يتقلص الريع المالي خلال السنة الحالية، ورسمت الموازنة على معدل سعري نحو 54 دولاراً للبرميل في حين تراوحت أسعار نفط برنت خلال النصف الأول لهذا العام ما بين 60 و70 دولاراً للبرميل، كما توقعت الموازنة أن ينخفض معدل الصادرات إلى نحو مليون برميل يومياً.

تدل سياسات العقوبات التي تم تبنيها بشكل مفرط على الدول النفطية، على أن هذه العقوبات لا تؤدي بحد ذاتها الى تغيير نظام الحكم، من دون إتباعها لاحقاً بخطوات عسكرية، وأن جل ما يحققه الحصار هو ضعضعة اقتصاد الدولة المحاصرة، والحاق الضرر بالطبقات الفقيرة، نظراً إلى فقدانها القدرة المالية لشراء الطعام والأدوية، ولعدم تمكن الدولة من الاستمرار في دعم المواد الأساسية هذه. وتسبب أيضاً هذه العقوبات بتهجير عائلات الطبقة المتوسطة نظراً الى تدهور النظام التعليمي وبث الخوف من التطورات المستقبلية لأفراد هذه الطبقة الذين ينشدون الاستقرار والانخراط في الحرف المهنية في بلادهم.

فرض العقوبات على دولة، يؤدي الى فرض ضرائب إضافية ووضع قيود وعراقيل على الاستيراد بالعملة الصعبة، ما يقلص النشاط الاقتصادي ويزرع القلق والبلبلة عند التجار والمستوردين والمستهلكين. واقترحت الحكومة الإيرانية على المجلس في كانون الأول (ديسمبر) 2018، الموازنة للسنة المقبلة، آخذة في الاعتبار الحصار الذي ستفرضه واشنطن. واقترحت الحكومة موازنة للسنة الإيرانية المقبلة (بين آذار (مارس) 2019 وآذار 2020) تزيد 40 في المئة على الموازنة السابقة. والسبب هو توقعها زيادة الضرائب 38 في المئة، والاعتماد على الريع النفطي بما نسبته 35 في المئة من الموازنة، و13 في المئة على بيع السندات وانواع أخرى من الديون، و14 في المئة من مصادر أخرى.

وتتوقع حكومة روحاني زيادة الضرائب في موازنة 2019-2020 إلى 38 في المئة من دخل الموازنة، بدلاً من الاعتماد العالي السابق للربع النفطي. وازدادت بالفعل الرسوم على استيراد السيارات والرسوم على المواطنين عند تعاملهم مع دوائر الدولة. وشكل زيادة الضرائب على السفر اعلى ارتفاع ضمن هذه الزيادات، بما نسبته 300 في المئة، ما اثار الكثير من الانتقادات. ومنذ اذار الماضي، يضطر المواطن الإيراني أن يدفع ما بين 50 و60 دولاراً للسفر خارج ايران. وتزداد هذه الضريبة 100 في المئة للمسافر أكثر من ثلاث مرات سنوياً. ويتوقع ان تحصل الموازنة على نحو 340 مليون دولار خلال هذه السنة المالية من ضرائب السفر هذه.

ووافق المجلس على اقتراح الموازنة بعد التأخير والانتقادات، وكان من الواضح أن الحكومة أخذت في الاعتبار الآثار المترتبة والمتوقعة من المقاطعة، كما عكست الموازنة آثار المقاطعة بتقليص نفقات الوزارات والمساعدات لذوي الطبقات الفقيرة. لكن لم تتقلص بالنسب ذاتها عن السنة الماضية المخصصات لنهج الحكم في دعم بسط النفوذ الإيراني إقليمياً، خصوصاً مؤسسة الحرس الثوري. واخذت الموازنة بالاعتبار أن الصادرات النفطية ستبقى عالية نسبيا خلال الأشهر الأولى من المقاطعة، ولكنها ستنخفض بشكل اكبر بعد أيار.

وتوقعت الموازنة أن يتقلص التعاون مع بعض المصارف الأجنبية التي استمرت بالتعاون مع ايران في البداية. فنظراً إلى شدة بنود المقاطعة لتلك المؤسسات المالية التي ستستمر في التعامل مع المؤسسات الإيرانية بعد أيار، يتوقع ان ينخفض عددها، أو على الأقل عدد التعاملات التجارية معها.