&&سلطان محمد النعيمي&&

من يسبق من؟ ومن له الأولوية في إيران أيها الأنام؟ بين الحرس الثوري ورجال الدين في إيران، من يقود النظام؟
سؤال يتكرر كثيراً في محاولة لفهم طلاسم النظام الإيراني ومستقبله في ظل عوامل داخلية وخارجية ضاغطة، تفرز بدورها تفاعلات داخل ذلك النظام، نناقشها في هذا المقال لعلنا نصل مع القارئ الكريم إلى مقاربات للإجابة عن ذلك السؤال.
لتحقيق نوع من المقاربة أدعو القارئ لنأخذ قضية تعيين المرشد الإيراني لسادن العتبة الرضوية في مشهد إبراهيم رئيسي رئيساً للسلطة القضائية ثم بعدها مباشرة يتم اختياره نائباً لرئيس مجلس الخبراء، مثالاً لوضع بعض المؤشرات.
بداية بدأ نجم إبراهيم رئيسي في الصعود التدريجي وظهور اسمه في وسائل الإعلام في الفترة الأخيرة مع توليه منصب سادن العتبة الرضوية في مشهد والتي تتميز بإيراداتها القوية ومداخيلها التي تقدر بالمليارات، ما ساهم بدوره في القيام بمشاريع تلامس الطبقات الفقيرة والمتوسطة، وبالتالي تعزيز موقف النظام الإيراني الحالي.


هذه المشاريع ما كان لها أن تبصر النور بعيداً عن التعاون مع الحرس الثوري وذراعه الهندسية «خاتم الأنبياء»، والتي تسعى دائماً إلى إنشاء المستشفيات والمدارس في المناطق البعيدة النائية. نتيجة لذلك نجد أن اللقاءات مستمرة بين سادن العتبة الرضوية ومسؤولي الحرس الثوري والتي تلامس أيضاً قضايا تهم النظام الإيراني على أصعدة مختلفة.
لم يتوقف الأمر عند الحرس الثوري فحسب، فها هو وزير الخارجية الإيراني في واجهة الدولة يقوم بزيارة إبراهيم رئيسي، ما يعطي دلالة على البعد السياسي لسادن العتبة الرضوية ومن يعتلي رئاستها.
ولكن مهلاً، أليس إبراهيم رئيسي هو ذلك الشخص الذي خسر الانتخابات الرئاسية أمام روحاني؟ صحيح؛ وهو ما يعطي مؤشراً على ضعف شرعية النظام في الداخل الإيراني والرغبة في التغيير والتي جعلت منه خياراً بعيداً عن الناخب الإيراني وتحديداً الكتلة غير المؤيدة للأصوليين، ناهيك عن أنه كان أحد القضاة الثلاثة الذي أصدر أحكام الإعدام ضد جماعة «مجاهدين خلق» في عام 1988.
رغم أن العلاقة ظلت ترتكز بين كل من التيار الديني الحاكم والحرس الثوري منذ بداية الثورة على الحفاظ على النظام الإيراني عن طريق حمايته بالحرس الثوري، إلا أنه ومع تصاعد قوة الحرس الثوري لم يعد هذا الأخير مجرد ذراع حماية للنظام ورجال الدين، بل بدأ ينتقل إلى أدوار سياسية واقتصادية مؤثرة أصبح بموجبها مشاركا في بعض الحالات وعنصراً مؤثراً في حالات أخرى في النظام الإيراني وقراراته. وهنا نعود من جديد للقول: من يقود النظام الإيراني؟
دعونا نستخلص بعض الدلالات من تولي رئيسي منصبين في فترة زمنية قياسية. إن خسارة إبراهيم رئيسي في الانتخابات الرئاسية لا شك أنها قد ألقت بظلالها على مقبوليته الشخصية لدى الشارع الإيراني، ورغم ذلك يمضي المرشد الإيراني قدماً في تعيينه في مناصب مهمة تمثلت بداية في تعيينه رئيساً للسلطة القضائية ومن ثم اختياره نائباً لرئيس مجلس الخبراء، وهو ما يعطي بدوره دلالات ومنها:


- محدودية الخيارات المتاحة للمرشد الإيراني. حيث يتضح وجود نقص ملموس في قيادات الصف الثاني من رجال الدين التابعين للنظام الإيراني، وربما تأتي إشكالية التراتبية في عدم المقدرة على تهيئة الصف الثاني من البداية والدفع بهم مبكراً إلى مناصب ومهام تؤهلهم لاستحقاقات لاحقة، وهو ما يأتي على خلاف الحرس الثوري الذي يتضح أن لديه مخزوناً من الصفوف القيادية ومقدرته على المناورة بهم سواء في المناصب السياسية أو العسكرية وغيرها.
- شيخوخة قيادات الصف الأول. فعدم وضع فترات زمنية محددة لتولي المناصب سواء مجلس الخبراء أو مجلس صيانة الدستور وغيرهما، دفع بالمرشد الإيراني إلى التركيز على أهل الثقة (ممن يجدهم داعمين له وللنظام الإيراني) على حساب تأهيل الصفوف القيادية اللاحقة، خصوصاً إذا ما وضعنا في الاعتبار احتكار رجال الدين لتلك المناصب لتأتي التراتبية في درجات رجال الدين عائقاً لتطوير الصفوف القيادية اللاحقة، على خلاف الحرس الثوري.


- افتقار رموز النظام للمقبولية لدى الشارع الإيراني. فإضافة إلى إشكالية شيخوخة الصف الأول للنظام الإيراني، نلاحظ وجود افتقار للمقبولية لعدد من رجال الدين في الصف الثاني للنظام الإيراني. فرئيس السلطة القضائية السابق على سبيل المثال صادق لاريجاني الذي دارت حوله التكهنات أن يكون خليفة للمرشد، وجهت له أصابع الاتهام بقضايا فساد وتستر على الكثير من القضايا بالإضافة إلى عدم حياديته، وهو ما دفع على الأغلب المرشد الإيراني لإبعاده عن السلطة القضائية وتوليه منصبا محدود التأثير ألا وهو رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام.
شيخوخة تنخر في تراتبية تيار رجال الدين الحاكم في إيران تدفع بدورها إلى تضييق الخناق على المرشد الإيراني في اختياراته، وفي مقابل اضمحلال نفوذ البازار ورجال الدين في الشق الاقتصادي، يأتي الحرس الثوري بعناصر قادرة على تجديد دمائها ويذهب بعيداً بتلك الكوادر للدفع بها لتولي مناصب سياسية، والتغلغل بعمق في الجانب الاقتصادي.


ومع التسليم بأن النظام الإيراني ولكي يضمن بقاءه فإنه يحتاج إلى جناحيه سواء العسكري المتمثل في الحرس الثوري والديني المتمثل في رجال الدين المنضوين تحت التيار الديني الحاكم.
ويبقى الأمر هنا؛ أي الجناحين بات أقوى وقادراً على أن يقود اتجاهات النظام الإيراني؟
الإجابة لدى القارئ الكريم.