محمد آل الشيخ

& الجريمة الإرهابية في نيوزيلندا هي منعطف خطير لإرهاصات قد تنعكس على الأمن والاستقرار العالمي. تصرف هذا السفاح الذي أقدم بدم بارد على هذه الجريمة البشعة والمقززة والمخيفة يكشف لنا خطورة اليمين المتطرف العنصري والدموي وقد يُنذر بتطورات عالمية خطيرة، تماماً مثل التطورات التي سبقت الحرب العالمية الثانية، ونتجت عنها وصول اليمين المتطرف المتمثل في الحركة النازية إلى الحكم في ألمانيا، واشتعلت بسببها الحرب العالمية الثانية.

الغربيون بعد الكوارث التي خلفتها الحربان العالميتان على دول العالم، وقتلت قرابة الخمسين مليون إنسان، نأوا بأنفسهم بعد هذه التجربة المريرة عن كل ما يؤدي إلى الحروب والتطاحن بين بني البشر، وبالذات في أوروبا، وتخلوا عن اليمين المتطرف، وأصبحت أحزاب الوسط هي التي تحكم أوروبا وأمريكا، والدول التي تدور في فلكها، مثل كندا وأستراليا ونيوزيليندا. استمرت هذه الأحزاب في الحكم، تميل إلى اليمين قليلاً، أو لليسار قليلاً، منذ نهاية الحرب العالمية عام 1945 حتى 2008، عندما بان عوار وعيوب هذا التوجه الاقتصادي في الأزمة الاقتصادية الشهيرة التي اجتاحت العالم في ذلك التاريخ، حينها دفعت أسباب موضوعية، وأهمها تدفق المهاجرين واللاجئين إلى أوروبا وأمريكا وكندا، الأمر الذي أدى إلى صعود التيارات الشعبوية، التي تتخذ القوميات اليمينية منهجاً لها، وأصبحت تكبر وتتضخم، وتستقطب أتباعاً جدداً سنة بعد أخرى، حتى وصلت في تقديري إلى أنها شكلت مارداً خرج من قمقمه، وأعاد ثقافة عنصرية، تقوم على تفوق العرق الأبيض، على غيره من بني البشر.

العولمة Globalization كانت هي الفكرة التي اعتمدها العالم، وجرى الاتفاق عليها بين الدول الرأسمالية في الغرب، بُعيد الحرب العالمية الثانية، والتي تقوم في منطلقاتها بنزع فتيل الحروب، والصراعات ترسيخاً للسلام والأمن بين الأمم، ومنع أية قيود على حرية حركة رأس المال، وكذلك الأيدي العاملة وانتقالها بين الدول، بحيث تكون التنافسية في الأسعار هي المعيار في الحصول على الثروات؛ وبالتالي فكل منطقة يستطيع فيها رأس المال أن يحقق مزيداً من الأرباح، يجب أن تُمهد له الدول الأسباب دون عوائق، وأهم عناصر الإنتاج الأيدي العاملة الرخيصة، غير أن تدفق الأيدي العاملة الرخيصة من دول العالم الثالث على البلدان الغربية أدى إلى ارتفاع معدلات البطالة بين أهل البلاد الأصليين، الأمر الذي جعل أهل البلاد الأصليين، وجلهم من البيض، يرون في العولمة، خطراً عليهم يتفاقم مع الوقت أضف إلى ذلك هجرة الشركات الرأسمالية الكبرى إلى الشرق الأقصى ودول وسط آسيا وبعض بلدان أمريكا اللاتينية، بحثا عن أيدي عاملة رخيصة، تُمكن منتجاتها من التنافسية، التي نتجت عن العولمة.


ويبدو أن العولمة، ودعاتها، هم من هيئوا الأسباب والبواعث لعودة اليمين المتطرف العنصري إلى الحضور على السطح، والذي كان من أهم كوارثه ما فعله النازيون بأمم الأرض.

من هذا التحليل المختصر والمضغوط في معلوماته، يُمكن لنا أن نفهم خطورة تنامي اليمين المتطرف، والذي جسدته في أقذر حالاته حادثة نيوزيلندا.

كل ما أريد أن أقوله في هذه العجالة: إن صعود اليمين المتطرف يعني حكم تصدع وسقوط الاتحاد الأوروبي، فجميع الأحزاب اليمينية المتطرفة، تعتبره شكلاً من أشكال العولمة، الذي تسبب في المحصلة البطالة بين مواطنيها.

خطورة تولي اليمين المتطرف السلطة في أوروبا سيثير حتما أجواء مشابهة للأجواء التي سبقت الحرب العالمية الثانية، وهذا ما نبه عليه الرئيس الفرنسي ماكرون.

&