& & عبدالحق عزوزي

الإرهاب الغاشم الذي ضرب نيوزيلندا ليس هو الأول من نوعه، فنحن نتذكر الاعتداء الذي كان قد هز منذ أكثر من خمس سنوات النرويج من طرف شاب لا يتعدى عمره 32 سنة، سعى حسب زعمه آنذاك «تطهير أوروبا من المسلمين بحلول 2083» بإشعال «حرب صليبية ضد المسلمين»، وكان قد نشر على الإنترنت قبل إقدامه على هذا الإجرام المدان، «مانفستو» أو ميثاقاً في 1500 صفحة كتبه على مدى ثلاث سنوات، يجمع بين دليل صناعة القنابل، وما يظنه عن الإسلام والتعدد الثقافي في أوروبا والعالم، وما يظنه عن سياسات أصحاب القرار في أوروبا، والاستشهادات التاريخية بالمسيحيين المتطرفين والسياسة الدعائية المغرضة، وتنبأ السفاح بريفيك بأنه سوف ينعت بأكبر وحش نازي منذ الحرب العالمية الثانية «وأنه قائد فرسان الحق».
وفي هاته الأيام سقط 49 قتيلاً وأصيب آخرون بجروح خطيرة في هجومين إرهابيين استهدفا مسجدين خلال صلاة الجمعة في مدينة «كرايست تشيرش»، بجنوب نيوزيلندا، وقالت رئيسة وزراء نيوزيلندا جاسيندا أرديرن لصحفيين الأحد إنها كانت بين أكثر من ثلاثين شخصاً تلقوا بياناً أرسله منفذ الاعتداء على المسجدين. وأكدت أن البيان وصلها قبل بدء الهجوم بتسع دقائق، وأنه خلا تماماً من تفاصيل أو إشارات لموقع الهجوم، وأنه قد تم إرساله للأجهزة الأمنية بعد دقيقتين من استلامه. من جانبها أكدت شركة «فيسبوك» إنها حذفت 1.5 مليون فيديو للاعتداء خلال 24 ساعة.
إرهابيا نيوزيلندا والنرويج - حسب يقيني- هما نتيجة الخطابات والسياسات الغربية السلبية في حق المهاجرين المسلمين منذ عقود، غذتها باستمرار وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة، وجعلت المسلمين رهائن لحسابات سياسوية وأمنية خلطت بين الأخضر واليابس، بين الهجرة والإرهاب، وبين الإدماج والمخدرات والجريمة، وازداد هذا العداء الرسمي الذي يجد له مريدين في المجتمع مع خطر الهجمات الإرهابية بعد 11 سبتمبر 2001 الذي يكبر له كل من أراد أن يجمع أكبر عدد من الأصوات في الانتخابات، وحملات حرق المصحف كما حدث بالولايات المتحدة الأميركية، والتأييد الشعبي لمنع بناء المآذن كما حدث في سويسرا وحظر النقاب كما وقع في فرنسا.&


ونتذكر أنه قبل أخذ القرارين الأخيرين (منع بناء المآذن وحظر النقاب) قامت الدنيا ولم تقعد في سويسرا وفرنسا، فأنشأت المجالس المختصة في البرلمانات، وأقيمت المؤتمرات والبرامج التلفزية اليومية على طول السنة، وتدخل رؤساء الدولتين ومستشاروهم في أكثر من مرة، لشرح حظر بناء الصوامع ووضع النقاب ومن خلال ذلك وجود المسلمين فوق ديارهم، وصعوبة إدماجهم، وتسارع الجريمة بمقدم الجيل الثاني والثالث من المهاجرين المسلمين، وتأتي الجماعات الأوروبية المتطرفة لا لتؤازر هذه السياسات، بل لتوبخها لأنها لم تتبعها منذ عقود، لتظهر أكثر صلابة وقوة وتزيد في هجماتها على الإسلام والمسلمين.
الدول الغربية تعج اليوم بأحزاب جناح اليمين الشعبوي التي تستفيد من ثلاث خاصيات أساسية:
- الأفكار التي تتغذى منها كالعنصرية والتطرف، والقومية والاستعلاء والخوف من الأجنبي تجد لها قاعدة كبيرة في المجتمع الغربي، لأنها سريعة الولوج إلى أذهان الغربيين، خاصة مع الأزمات اليومية التي يمر منها الإنسان الغربي وعلى رأسها أزمة البطالة وغلاء المعيشة.
- الأحزاب اليمينية المتطرفة سرعان ما تجد آذاناً صاغية في الانتخابات.


- الأحزاب الغربية تعلم أن هدف الأحزاب اليمينية المتطرفة هو تأجيج مشاعر العداء تجاه المسلمين ولما يظنونه سرطاناً خبيثاً يجب استئصاله، وأن كل ما يقدمون عليه هو خطأ مبين، ولكن للسياسة حسابات معاكسة، فتتبنى مع مرور الوقت خطاباتهم وأفكارهم لاستقدام الأصوات التي يمكن أن توالي اليمينيين، فتزداد تلك الجماعات العنصرية شدة وقساوة وتكتسي على العكس من ذلك شرعية إضافية، ويزداد وجودها في كل الدول الغربية.
ما وقع في نيوزيلندا، وما كان قد وقع في النرويج درس موجع لكل السياسويين الغربيين الذين تسلقوا سلالم المناصب على حساب تأجيج وتغذية الكره للإسلام والمسلمين والنفخ في العداء، وهو الذي ولد هذا الإرهاب وسيولد المزيد منه ما لم تتوقف هستيرية العداء على المهاجرين، وكم أعجبتني تحليلات الإعلام العربي في غالبيته لأنه لم يصف الإرهاب النيوزيلندي بإرهاب مسيحي، ولو كان الذي قام بالعملية مسلم لسميت العملية بإرهاب إسلامي، فالإرهاب لا دين له ولا ملة، بل هو آفة عالمية.

&

&