علي مطير

حين ظهرت رقعة الشطرنج قبل قرون، كانت المعادلة واضحة (لونين، لاعبين، أدوات، وقت، جمهور)& نجحت اللعبة في الصمود حتى اليوم رغم الثورات المعلوماتية والالكترونية والرقمية، والتي تواترت حتى أصبح هناك »روبوت يفوز على إنسان« في نزال على الذكاء، لكن التحدي ما زال قائما، ولا تزال رقعة الشطرنج نفسها أيقونة للعبقرية.

إذن،&ما& سر& رقعة الشطرنج لتصمد كل هذه القرون؟

ببساطة، يرى الخبراء أنها استطاعت أن تتحول إلى استراتيجية في مجالات كثيرة، سياسية واقتصادية وإعلامية وتربوية، وغيرها. لم تعد لعبة للتسلية فقط، بل أصبحت مفهوما خلاقا لإدارة الحياة بأشكال مختلفة، ولكن بالمبدأ نفسه (لاعبين، لونين، أدوات، وقت، جمهور).

اليوم يجلس على طاولة «رقعة شطرنج الصحافة» لاعبون&

كثر، ويغيب اللاعبون الأساسيون عن التشكيلة الرئيسة، تحت وطأة دعاية كبيرة/ مضللة، تقودها شركات علاقات عامة دولية، وتروج لها شركات تسويق كبرى أيضا، وينجر خلفها خبراء الصناعة نفسها، من أن المؤسسات الصحفية فيها «من قضى نحبه، وفيها من يحتضر»، وأن الكرسيين على جانبي طاولة رقعة شطرنج المحتوى الإعلامي (المنتج/ المتلقي) صارا محجوزين لآخرين!

ولنسف الدعاية المضللة تلك في عز شمسها، والتي كانت تقول بوفاة الصحافة «دماغيا»، خرجت صحيفة مكة مطلع 2014، فرفعت شعار «متعة المعرفة»، وصممت رؤيتها في ذلك الحين على أيدي ثلة من الصحفيين الخلاقين.&

وكان مفهوم «صحافة البيانات» هو الذي شق طريقا جديدا في رقعة شطرنج المحتوى الإعلامي، لتعيد مؤسسات إعلامية حساباتها، وترتب أوراقها، بأن هناك مستقبلا يلوح في الأفق لصناعة الصحافة، وأن فن استخدام البيانات والمعلومات، والقوالب الجديدة، هو السر/ السحر، في خلطة «مكة» التي حولت الإنفوجرافيك إلى قالب صحفي، تحول بعد ذلك إلى تسونامي أغرق كل المنصات الإعلامية، والاجتماعية، ورقيا ورقميا وتلفزيونيا، بل صار معيارا «حكوميا» في منظومة التواصل&

المؤسسي.

خمسة أعوام مضت ومكة تخيط ثوب المعرفة، حتى صار الثوب جاهزا لترتديه في مرحلة جديدة وهي تجلس على رقعة الشطرنج نفسها، لتقول بوضوح: أهلا بصحافة جديدة من المعرفة إلى الإبداع، إلى البحث بشغف عن تعريف «المحتوى» بأنه أكثر من صفِّ كلمات في قالب (نصي/ صوتي/ مرئي)، بل هو مجموعة من صناعة الحلول الإبداعية لكثير من التحديات التي تواجه صناعة جودة الحياة.

قبل 5 أعوام، كانت «مكة» تخاطب حواس جمهورها بأن «الوقت حان لتقرأ جريدة»، وهو ما حدث، لأن ردة الفعل تقاس بالتأثير، والتأثير القرائي تحول إلى ردة فعل في صناعة محتوى إعلامي يتجاوز حدود الخبر، ويعطي للزمن معنى مرتبطا بالجودة، ويؤنسن الأرقام لتتحدث عن نفسها بموضوعية تنسجم ولغة العصر الحديث.

اليوم بعد هذه الأعوام الخمسة «حان الوقت لنبتكر صحيفة»، وأن نسمح لطبقة المبدعين (الذين يستخدمون النصف الأيمن من أدمغتهم) أن يكونوا شركاء في عصر الإبداع؛ العصر المفاهيمي، حيث يمكن تحويل كل المفاهيم إلى حلول إبداعية، وكيف يمكن تحوير سؤال صغير، أو مصطلح في كتاب على رف مكتبة منسية، أو أريكة في مستودع البيت، إلى قصة كبيرة، يقرؤها الناس بأعينهم، ويعيشون فيها بحواسهم، ويستثمرون فيها مستقبلهم&

أيضا.

حين قال الأب الرقمي «بيل جيتس» في تسعينات القرن الماضي «المحتوى هو الملك» أوصل رسالة عميقة بأن العالم الرقمي له حاكم حقيقي هو «المحتوى»، مهما اختلفت أو تعددت القوالب والمنصات والمسميات.& & & & & & & & & & & &

و»مكة» تقول في 2019 إن المحتوى الإبداعي هو «نفط المستقبل».

مصدر: صحيفة مكة