& حسين شبكشي

قالوا قديماً إن «الصورة تغني عن ألف تعليق» حتى تطورت أدوات التقنية الحديثة، وبات بالإمكان التلاعب بمكونات الصورة، وباتت الصورة «المزيفة» بديلاً بأسلوب «الفوتوشوب» وغيره من التطبيقات العصرية، وأصبحت بالتالي «اعتمادية» الصورة محل شك كبير. والشيء نفسه من الممكن قوله بحق الأرقام والبيانات والإحصاءات.
دائماً ما تتردد مقولة إن «الأرقام لا تكذب»، ولكن اليوم مع تفشي ظاهرة الأخبار الكاذبة، والتي تزين وتدعم بكم غير بسيط ولا قليل من «الأرقام» لمنحها المصداقية، وبالتالي الجدارة المستحقة من القارئ المتلقي، أصبحت «الأرقام» هي الأخرى في محل تشكيك وقلق منها.


أمامي مجموعة من الأخبار المدعومة بـ«الأرقام»، وهذه الأخبار تغطي مواضيع في منتهى الجدية، ولكن مع كل ذلك يبقى ما يطرح مسألة ليست محسومة، ولكنها أقل ما يقال عنها إنها حمالة أوجه، ومن الممكن الاطلاع عليها من أكثر من زاوية. فبينما يمجد ويفرح الاقتصاديون المختلفون من حول العالم بثورة النفط الصخري، وكيف أنه جعل من الولايات المتحدة منافساً جاداً وخياراً فعالاً في سوق النفط، ومنحها الاكتفاء الذاتي وقدرة على التصدير، وكيف أن التقنية المتطورة الحديثة ستساهم وتساعد على استمرارية تخفيض تكلفة الإنتاج، وبالتالي الإبقاء على سعر النفط الصخري منافساً وذا عوائد ربحية مجزية، والمسافات بين الآبار الصخرية متقاربة جداً، من 100 إلى 200 متر فقط، وأعدادها كبيرة للغاية، وبالتالي عمرها قصير، وبالتالي جهدها كبير، بالمقارنة بالآبار النفطية التقليدية ذات العمق الأقل، بدأت تقارير «أخرى» تظهر في أواسط نفطية أميركية معروفة بجديتها، تقول وبشكل مختصر ولكن مفيد، إن منتجي النفط الصخري في الولايات المتحدة يواجهون مشكلة حادة، وهي أن آبارهم لم تعد تنتج الكميات نفسها التي كانت في توقعاتهم الأولى، وبالتالي هناك ضرورة ماسة لإعادة الحسابات التي بنيت عليها. وهذه المعلومات لو صحت (ولا يبدو حتى الآن أن هناك من يشكك فيها) ستكون لها أبعاد جيوسياسية لافتة، وهو ما يفسر الحراك الأميركي في مناطق مختلفة: في فنزويلا، وهي الدولة الأهم كمورد للنفط، الحراك الأميركي اليوم هناك بات علنياً على المستوى السياسي «لإحداث تغيير» ينعكس على علاقة أخرى مع نظام جديد هناك. وكذلك إعادة هندسة العلاقات الاقتصادية مع المكسيك، أحد أهم الحلفاء النفطيين لأميركا. ولا يمكن إغفال إعادة رسم علاقات نفطية «خاصة» وبشروط تفاضلية مع العراق، كما يروج له هذه الأيام، وكذلك عودة الاهتمام الأميركي بالنفط الليبي، وهو المعروف بأنه من ناحية الجودة أهم منافسي النفط الصخري. وكذلك تراقب أميركا باهتمام تطورات الوضع في الجزائر.
أي الأرقام تصدق؟ المعلومات لا تأتي إلينا عن طريق خدمات توصيل الطلبات «الدليفري»، ولا عن طريق الاتصال بخدمات الغرف، ولكن لأنها باتت مشوهة، ولأن هناك أكثر من فريق لديه مصالح مختلفة بأن يظهر نفسه أن وجهة نظره وحدها هي الحقيقة والحقيقة المطلقة، بات من المفروض على «الباحث» أن يتمعن في البحث بشكل أعمق وبشكل أفقي ورأسي، فللحقيقة أوجه كثيرة.


وتبقى الحكمة الخالدة «المعرفة قوة» قائمة بمعناها لليوم، وأن الواقع الجديد يظهر لنا تماماً أن الصورة لم تعد تغني عن ألف تعليق.
يظهر لنا اليوم أن الأرقام من الممكن أن تكذب وتتجمل وربما تنافق. وبطبيعة الحال لا ينحصر ذلك أبداً، ولا بأي شكل من الأشكال في النفط الصخري وحده؛ ولكن من الممكن جداً أن يقاس ويرى في شتى المواضيع الاقتصادية والسياسية الأخرى.&
«غلطان في الرقم» لم تعد جملة تستخدم للرد على متصلي الهاتف بالخطأ، ولكن باتت جملة يواجه بها مسؤولون وخبراء أيضاً.

&

&