& حنا صالح

&

تتزايد المؤشرات على تغيير ما في مسار الوضع في سوريا، بدءاً من القرار الأميركي بشأن البقاء في شرق الفرات ربطاً بما يمكن اعتباره انتهاء الحرب في «الباغوز» أبرز آخر أماكن تمركز «داعش»، إلى الضغوط الروسية شبه اليومية على أنقرة لإنهاء سيطرة إرهابيي «النصرة» في إدلب، تنفيذاً لاتفاق سوتشي بين بوتين وإردوغان في 17 سبتمبر (أيلول) 2018، مروراً بالطروحات الجديدة التي عرضها أمام مجلس الأمن غير بيدرسون الموفد الدولي إلى سوريا، وصولاً إلى التوافقات الروسية الإسرائيلية التي نجمت عن مباحثات بوتين - نتنياهو اللذين التقيا للمرة الـ11 في أقل من أربع سنوات، تزامناً مع الزيارة السرية التي رُتبت على عجل لرئيس النظام السوري إلى طهران، وتركُّز البحث بين المرشد والأسد على رفض قيام منطقة عازلة في الشمال السوري، وهو المقترح الأميركي الذي أولته موسكو اهتماماً خاصاً، حيث إنها عرضت مشاركة الشرطة العسكرية الروسية في تأمين هذه المنطقة. أثارت الصحيفة الروسية «سبونودايا بريستا»، أبرز قضية تشغل السوريين والرأي العام في المنطقة وصانعي السياسة في المنطقة والعالم، عندما عنونت: «لماذا قرر الكرملين التخلص من بشار الأسد؟».


بعيداً عن لوم الصحيفة ما وصفته بتأخير تدخل موسكو الذي منح الجانب الإيراني الفرصة للتغلغل في الوضع السوري والوضع العسكري خصوصاً، أثارت ما يُفتعل من عراقيل تُعيق العملية السياسية، وربطت هذا المنحى بقولها إن الأسد صاحب ميولٍ إيرانية، والزيارة السرية إلى طهران وفق الرؤية الروسية تقوض جهود موسكو لإعادة النظام السوري إلى الجامعة العربية، وهناك قناعة تعبر عنها أوساط روسية مفادها أن التصاق الأسد بالمظلة الإيرانية بات يعوق الدبلوماسية الروسية للتقدم نحو حل سياسي.


تطبيع الوضع وفق موسكو قد يضع على طاولة البحث مصير رأس النظام السوري كما بقاء القوى الخارجية وأبرزها إيران وميليشياتها، ومعروف جيداً مدى رهان طهران على بقاء الأسد في السلطة لما في ذلك من ضمان لمصالحها، في حين تشير جهات روسية إلى أن التخلي عن الأسد متى يتقرر فلا يعني التخلي عن النظام السوري. هنا يستوقف المتابع ما شددت عليه صحيفة «نيزافيسيمايا غزيتا» بشأن التناقضات التي تظهر للعلن داخل مسار آستانة وبين موسكو ودمشق، والثابت أنه مع تراجع القتال، رغم مخاطر وضع إدلب ومحيطها، ستُفتح كثير من الملفات.
وسط هذه المعطيات حدثت زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى موسكو، وقد استقطبت الاهتمام لما قيل خلالها وما زال يتردد. طبعاً هي الأولى بعد تسبب إسرائيل بسقوط الطائرة الروسية، وإن أراد منها نتنياهو أن تشكل ورقة قوة لاستقطاب مقترعين في انتخاب الكنيست القادم، فالزيارة بنتائجها ينبغي إدراجها تحت عنوان بدء العد العكسي لتغيير كبير في سوريا. الشق العسكري كان لافتاً إذ عرضت تل أبيب خريطة الانتشار العسكري الإيراني، وأعلنت أن إسرائيل «لن تسمح لإيران بالتموضع عسكرياً في سوريا».


أبرز ما تضمنه الجانب العسكري هو ما أعلنته الأوساط الإسرائيلية عن موافقة روسية على عدم تسليم صواريخ الدفاع الجوي إس 300 للجيش السوري، ما يعني حرية كاملة للطيران الحربي الإسرائيلي في استهداف هذه المواقع، وهنا يُقال إن ما يهم موسكو هو عدم استهداف أي موقع مشترك مع العسكريين الروس، كما أن تل أبيب تعهدت بإبلاغ الروس مسبقاً عن الأهداف، وذلك لتلافي أي احتكاك روسي - إسرائيلي. طبعاً الأمر مقلق ومحرج لطهران التي لم تسمع من الروس لا نفياً ولا توضيحاً، فأعلن شمخاني أن تصريحات نتنياهو و«زيارته العبثية لن تؤثرا على الوجود الإيراني في سوريا»، مضيفاً أن طهران لن تفاوض أحداً ولن تستأذن أي دولة فيما يخص «مدى وقدرة تدمير ودقة إصابة ووتيرة بناء منظومتها الصاروخية». ما يعني أنه أكد بشكل أو بآخر بنك الأهداف الذي حددته إسرائيل.
الجانب السياسي للزيارة ومجمل ما يُسرب يدلُّ على تزايد التباينات مع الروس الذين ضاقوا ذرعاً بالممارسات الإيرانية في سوريا، خصوصاً ما يبدونه من عراقيل تؤخر تأهيل فيالق الجيش السوري، مثل التمسك بوجود وحدات عسكرية رديفة خارج قرار القيادة الروسية في حميميم، وصولاً إلى المواقف التي ضمّنها الأسد خطابه الأخير عن الطروحات المتعلقة بالشمال السوري أو اللجنة الدستورية وكل العملية السياسية المعلقة. اللافت هنا إعلان نتنياهو أنه تم الاتفاق «على هدفٍ مشترك وهو إخراج القوات الأجنبية التي وصلت إلى سوريا بعد اندلاع الحرب الأهلية، واتفقنا على طاقم مشترك يعمل مع آخرين».
بدورها، أكدت موسكو أن الخطة تنص على سحب جميع القوات الأجنبية من الأراضي السورية واستعادة مؤسسات الدولة مع الحفاظ على وحدة سوريا، وقال الرئيس بوتين: «تكمن الفكرة في إنشاء مجموعة عمل دولية تشمل جميع الأطراف المنخرطين في النزاع، وكذلك القيادة السورية وربما المعارضة ودول المنطقة وستتولى هذه المجموعة مهمة الاستقرار النهائي بعد القضاء على كل بؤر الإرهاب». طبعاً لم تحدد بعد الأطراف بدقة ولا إطار العمل ولا بد أن يكون الأمر مطروحاً مع الجانب الأميركي حيث التوافق ضروري لبلورة المهام اللاحقة لهذا الفريق، ولا يخفى أن أولوية واشنطن تكمن في إنهاء الوجود الإيراني.


هناك توجه روسي جديد قد يكون مؤشراً على رغبة لدى موسكو في دفع الحوار لاستكشاف إمكانيات وحدود الذهاب إلى أي تسوية، وما حدود المصالح التي يمكن للقوى المتدخلة الفوز بها، وإذا ما تمّ التوقف عند طرح الروس على الأتراك تفعيل «اتفاقية أضنة»، ففي الأمر مؤشر جديد عن الرغبة في الوصول لانسحاب كل القوى الأجنبية من سوريا ومن ضمنها الجيش التركي، لأن الاعتراف بالحقوق الأمنية ومعالجتها شيء وبقاء تركيا مسيطرة على أكثر من 10 في المائة من الأراضي السورية شيء آخر. ما هو بحكم المؤكد أن هذا الطرح الجديد، يتم التداول الدولي به، بدليل أنه جاء متوافقاً مع الرؤية التي ضمنها الموفد الدولي غير بيدرسون إحاطته مجلس الأمن، عندما تحدث عن ضرورة «إنشاء مجموعة دولية»، وصفها بـ«منتدى دولي مشترك بين القوى الدولية للمساعدة في تحقيق السلام في سوريا». وبحسب بيدرسون فإن وجود منتدى دولي وآليات عمل سيمكن من معالجة المسائل العالقة والسير في «عملية سياسية يقودوها سوريون».
هل سوريا في عشية بدء العد العكسي؟ السؤال جدير بالاهتمام وكل التطورات الميدانية توفر جزءاً من الجواب، فهل الروس يريدون حقيقةً الخروج من الوضع الراهن، وهل يستدرجون ردود فعلٍ لتحديد الخطوات والمنحى؟

&