& تشارلي ورزل

يوم الجمعة الماضي، اعتمر شاب في نهاية العقد الثالث من عمره قبعة مزودة بكاميرا، وحمّل سيارته بالأسلحة، وقاد صوب مسجد في مدينة كرايست تشيرش النيوزيلندية، وبدأ إطلاق النار على كل شخص يقع في مرمى بصره. وبثّ عملية الإرهاب الجماعي التي مارسها مباشرة لكي يشاهدها العالم على وسائل التواصل الاجتماعي.&
وقتل الإرهابي في الهجوم 49 شخصاً، في مسجدين مختلفين في المدينة. وانتشر الفيديو، الذي صوّر جزءاً من الهجوم مدته 17 دقيقة، على الإنترنت أسرع من قدرة جهات الرقابة على وسائل التواصل الاجتماعي على حذفه، ويعتبر الفيديو هو أكثر التسجيلات عالية الوضوح إزعاجاً وتكديراً لعملية قتل جماعي في العصر الرقمي. والتسجيل الذي أعدّه القاتل يُصوّر قدرة الإنسان على ممارسة الهمجية والوحشية.&


وبالطبع، يُقصد بالفيديوهات المصورة للهجمات نشر الإرهاب. لكن ما يجعل من هذه الفظاعة «عملاً عنيفاً استثنائياً وغير مسبوق»، مثلما وصفته رئيسة الوزراء النيوزيلندية «جاسيندا أرديرن»، هو الطبيعة المنهجية التي ارتكب بها الإرهابي المذبحة، وطريقة إعداده لها لتحقيق أكبر قدر من الانتشار.&
وعلى رغم من أن منصات، مثل فيسبوك وتويتر ويوتيوب، سارعت لحذف التسجيل والبيان المصاحب له من الإرهابي المسلح، إلا أنها لم تستطع مواكبة سرعة مستخدميها، فأدوات الذكاء الاصطناعي الجديدة المخصصة لتنقية هذه المنصات من المحتوى الإرهابي لم تستطع هزيمة خسّة ودهاء المجرم واندفاعه نحو تنفيذ عمله اللاإنساني. ففي دقائق، تم تحميل الفيديو وإعادة نشره عبر منصات أخرى، ليصل إلى أنحاء العالم. وتم اقتطاع صور للضحايا من الفيديو ونشرت على مواقع مثل «ريديت» و«4chan» و«تويتر»، وأعيد نشرها.&
ووصف بعض مستخدمي «توتير» المحاولات المستميتة الرامية إلى منع الفيديوهات من العرض بصورة تلقائية على صفحاتهم، بحيث لا يظهر فيديو المذبحة من كل حدب وصوب. ونقّب مستخدمو الإنترنت في التاريخ الرقمي لمطلق النار، والذي تضمّن الاحتفاظ بصور أسلحته ودرعه الواقي للجسد، ومشاركة هذه الصور. وتم الكشف عن النشاط الرقمي لمطلق النار، من تصريحاته المتشدقة بشأن القوميين البيض إلى رسالته عبر «8chan» قبل عمليته الإرهابية، ونُشر لبعض الوقت في أجزاء واسعة من الشبكة العنكبوتية.&
وقد أراد القاتل جذب انتباه العالم، وبارتكابه عملية القتل الإرهابية، تمكن من تحقيق مراده. ولم يكن هذا الحادث هو العمل العنيف الأول الذي يُبث مباشرة في وقت ارتكابه. ففي عام 2015، قتل مسلح مراسلين صحافيين في مدينة «روانوك» بولاية فيرجينيا الأميركية، وبث مقطع فيديو يصور عملية القتل على موقع «تويتر». وبعد فترة ليست طويلة، تعرض تطبيق «بيريسكوب»، للبث المباشر، إلى انتقادات شديدة بعد أن بثّت مراهقة عملية انتحارها مباشرة.


وهناك جرائم قتل أخرى تم بثها على موقع فيسبوك، مثل عملية القتل العشوائي التي ارتكبها «روبرت جودوين» في عام 2017. وكانت هناك أيضاً تسجيلات متعددة لمواجهات، في بعض الأحيان مميتة، مع الشرطة. ومنذ طرح أداة الفيديو المباشر للاستخدام في نهاية عام 2015، نشر المستخدمون أيضاً فيديوهات لجرائم اغتصاب والإساءة لأطفال، وتوصل موقع «بازفيد» في مسح أجراه عام 2017 إلى وجود 45 حالة عنف على الأقل عبر منصته.&
وعلى رغم من ذلك، يبدو الحادث الإرهابي في نيوزيلاندا مختلفاً، لأن المجرم لديه دراية شديدة واضحة بالأركان المظلمة في شبكة الإنترنت. ويحتوي التسجيل على إشارات متعددة لثقافة الإنترنت، بما في ذلك البحث قبل الحادث بقليل عن شخصية مشهورة على موقع يوتيوب.&
ويصف الأثر الرقمي الذي تركه مطلق النار على المصلين دافعاً لشخص مؤمن بتفوق البيض، غير أنه لا تزال هناك أموراً كثيرة مجهولة، في هذه المرحلة المبكرة، على رغم مما نشر على الإنترنت عن الجاني.&
ومن الواضح أن البيان المكون من 87 صفحة، الذي نشره على الإنترنت والمكتظ بكثير من المفارقات والتعليقات، مكتوب لإثارة غضب المجتمعات التي ساعدت على تطرف الجاني في المقام الأول. ويبدو أنه عليم بخبايا الإنترنت، ويفهم ديناميات المنصات التي تسمح بتداول المعلومات المضللة والمحتوى المسبب للخلافات، وكذلك طريقة بث الفتن.&


ولعل الأمر المروّع بقدر العنف في حد ذاته هو كيفية عمل مجتمع الإنترنت لمصلحة الإرهابي. وربما أن ذلك هو واقعنا الجديد. فليست فقط الكراهية التآمرية هي ما تنتشر عبر الإنترنت إلى حياتنا الواقعية، ولكن أيضاً استخدام الأسلحة النارية.


كاتب متخصص في حروب المعلومات والتكنولوجيا
يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»&
Canonical URL: https://www.nytimes.com/2019/03/15/opinion/new-zealand-shooting.html