خليل علي حيدر&

إلى أين ستقود العالم هذه السلسلة الإرهابية الدموية المروعة في العالم الإسلامي أو أوروبا أو أقصى العالم في نيوزيلندا، التي عشنا مؤخراً أبشع حلقاتها في مساجدها، في أثناء أداء صلاة الجمعة، حيث تعرض المصلون من المسلمين في مسجدين هناك للقتل الجماعي بالأسلحة الرشاشة، وعن سابق تخطيط وإصرار وترصد؟!

كيف يتحد العقلاء ومعتدلو العالم ومسالموه في وجه هذه الوحشية التي تتوالى فصولها في الشرق والغرب، باسم الدفاع عن الإسلام والمسلمين تارة، أو الانتقام منهم ومن المهاجرين المسلمين إلى أوروبا وأستراليا وغيرها تارة أخرى؟

مثل هذا الاتحاد والتقارب في اعتقادي مستبعد جداً، وستكون الظروف للأسف لمصلحة الإرهاب ربما لسنوات قادمة، فالمسلم البريء المسالم الذي يصلي الجمعة ربما يكون في مقدمة ضحايا الإرهاب في أوروبا وأستراليا وفي أي مكان، بل عايشنا للأسف جرائم إرهابية، طائفية وغير طائفية، في مساجد و"جمعات" وكنائس بلدان العالم الإسلامي، في العراق والمملكة العربية السعودية والكويت وغيرها، أكثر من أي مكان آخر في الغرب، في الجماعات المسحلة والتنظيمات الإرهابية الجهادية التي تهدد الغرب مرة، تهددنا مرتين وربما عشر مرات.

جريمة نيوزيلندا قد تثأر لها جماعة داعشية في كنائس أوروبا وأستراليا، وربما تختار مصر أو العراق أو غيرهما إن تراخى حبل الأمن، فهذه الجماعات فيما يبدو، تؤمن أن الأقربين أولى بالإرهاب.

نستطيع أن نفعل الكثير في مجال تقوية الروابط وحماية غير المسلمين وتعزيز الأمن للجميع، وفي زرع التسامح ومكافحة التعصب، لكننا لا نملك إلا القليل في مجال منع الإرهاب واجتثاثه، بعد أن ترسخت خلاياه، وتشعبت روابطه بمصالح مختلفة، وتقدمت وسائل الاتصال والتواصل، وتيسر الانتقال وسبل خداع أجهزة الأمن، وكذلك بعد انتشار ثقافة الحقد والكراهية لأسباب وبحجج مختلفة في العديد من الدول.

هذا فيما يزداد ضعف الضحايا وتقل حيلتهم وتضيق بهم السبل في أوطانهم، ويزداد الفقر والبؤس، وتفشل خطط التنمية، ولا يجد المهاجر إلا بقايا أثاث أو متعلقات تقطر فقراً وبؤساً يبيعها بأي سعر كي يهرب من جحيم الوطن.

وهكذا تتزايد أعداد المهاجرين ممن حرموا عطف الوطن الأم لتستقبلهم ألوان الكراهية والمخاطر، في هذه المهاجر والأوطان الجديدة.

ليس هذا أفضل الأوقات لدراسة ظاهرة الإرهاب ومتاعبها، فجريمة نيوزيلندا من البشاعة واللا إنسانية ما يكاد يشلّ فينا قدرة التفكير في مخرج من هذا العنف الذي بات يضرب الجميع عبر القارات، ولا ينبغي لأي محلل أن يبررها بجرائم "داعش" و"القاعدة" وغيرهما، ولم يعد من المعقول الاستمرار في الانتقام من الأبرياء المدنيين أو المصلين في دور العبادة، وفي تصفية أية حسابات دينية أو سياسية.

غير أننا لا نزال نلاحظ للأسف في العديد من الحوادث الإرهابية في بعض الدول استمرار وجود الفجوات الأمنية غير المتوقعة، وتراخ في الأجهزة وعدم الاستمرار في مراقبة تحرك الإرهابيين المحتملين من ذوي السوابق، وكذلك في قوانين شراء وحمل الأسلحة التي لا يمكن تصور استعمالها في الحياة المدنية!

وفي بلداننا لا نزال نفاجأ بثغرات في مراقبة التحركات المالية المريبة التي تستغل العمل الخيري، ونرى بعض الجماعات التي لا ترى في مخالفة حقوق الإنسان، وفي التسلط وفيما يمهد للتوجهات المتشددة ما يستحق التنديد.

ورغم أننا لا نكف عن التصريح بأن الإرهاب "ظاهرة عالمية" وأنه "خطر يهدد الجميع"، إلا أن المجتمع الدولي برمته لا ينظر إلى مشكلة الإرهاب للأسف من زاوية واحدة، ولا يزال الخلاف واضحاً في تحديد وتعريف الإرهاب، كما أن العديد من الدول لا تكترث بأمن بعض الدول المجاورة وغير المجاورة اهتمامها بالأمن في بلادها، هذا إن لم تقدم بعض التسهيلات للمتشددين وحتى الجماعات أحياناً كما تُتهم.

إن الإرهاب والقتل والتفجير ضد المسلمين وغير المسلمين لن يتوقف عند جريمة نيوزيلدا، وهذه العملية على بشاعتها وتفاصيلها المخيفة الدامية، سرعان ما تتضاءل لسوء الحظ، أمام جرائم أخرى قادمة، نتمنى جميعاً ألا تقع.