&&شمسان بن عبد الله المناعي&

تماماً كما يحدث في أفلام هوليوود السينمائية الأميركية التي تأخذ طابع العنف ويصور فيها مجرم وهو يدخل في مكان ما ويطلق النار على كل من هم موجودون في هذا المحل، هذا المشهد هو ما حدث بالضبط في مذبحة الجمعة في مسجدين في نيوزيلندا ولكن في الواقع وليس الخيال، حيث دخل رجل مسلح مسجدين بكرايستشيرش، وقام بإطلاق النار على المصلين فيهما، وهم يصلون صلاة الجمعة في خشوع وخضوع كما أمرهم ربهم بتاريخ 15 مارس (آذار) ويقوم بتصوير العمل بكاميرا فيديو لمدة 17 دقيقة، وعلاوة على ذلك أخبر رئيسة الوزراء النيوزيلندية قبل تسع دقائق من العمل الذي سوف يقوم به، ولم يحرك أحد ساكناً لأن هذا عمل متطرف ليس أكثر من ذلك عند الزعماء والساسة الغربيين، وهذا يطرح كثيراً من التساؤلات!!
أما أن يتم القبض على «إعلامي مخابراتي» واحد يتمرد على وطنه فهذا عمل يجعل الدوائر الغربية وأميركا ومنظمات حقوق الإنسان تقوم عندها القيامة، وتطالب بحماية حقوق الإنسان ويجتمع مجلس الأمن ويتم عقد الندوات عن الإرهاب وأسبابه وتشكل اللجان للتحقيق والتواصل مع الدولة التي تم فيها العمل.


ما ذنب هؤلاء المصلين الذين أتوا من بلدان إسلامية متعددة هدفهم كسب المعيشة ولكي يجتمعوا في جو روحاني بعد إرهاقهم في أعمالهم بعد عناء أسبوع من العمل وتتم إبادتهم جميعاً عن بكرة أبيهم ويسبحون في برك من الدماء، ورغم هذا لا يكون رد الفعل بحجم مثل هذا العمل الذي يجد صداه عند الأمم المتحدة ومجلس الأمن، ويكتفي الجميع بالتنديد في مثل هذا العمل البشع الصادر من اليمين المتطرف المملوءة نفوس أفراده بالحقد والكراهية ضد كل من هو مسلم.
لم يترك الإرهابي برينتون هاريستثيسون تارانت منفذ الهجوم الوحشي أي فرصة للقادة الغربيين للتملص من أدلة الجريمة، فهو لم يختر فقط ضحاياه ومكان الجريمة، وإنما حرص على أن يشرح دوافعها العنصرية في بيان مطول من 74 صفحة وزعه على الإنترنت في دقائق قبل ارتكابها وأن يوقعها على سلاحه ويوثقها بالصورة والكلمة ويبثها على الهواء مباشرة، ومع ذلك تأخرت إدانات عواصم غربية كثيرة رغم أن هناك وقتاً كافياً - وهي مدة التسع دقائق، حيث اتصل الإرهابي بمكتب رئيسة وزراء نيوزيلندا - لإنقاذ ولو القليل من الضحايا، فإن شيئاً من هذا لم يحدث.
في تبريره جريمته كتب الإرهابي في بيانه أن هجماته غذتها كراهيته المهاجرين المسلمين الذين وصفهم بأنهم غزاة يهددون السلامة الديموغرافية للأمة البيضاء وتخيل نفسه «بطلاً» من محاربي الحروب الصليبية الذين كتب أسماءهم على أسلحته الأوتوماتيكية. إنه الفكر المتطرف نفسه الذي لا يقل خطورة عن فكر «داعش» و«القاعدة»، فكلاهما يرى في الآخر «جحيماً» تجب إبادته.


وإذا كان التطرف الذي ينسب إلى الإسلام يجد من يدينه بصراحة من داخل العالم الإسلامي، فقد حان الوقت ليتحلى من جانبهم بعض قادة الدول الغربية وزعماؤها السياسيون ومفكروها وإعلامها لتسمية الأشياء بأسمائها ويدينوا صراحة الآيديولوجيا اليمينية العنصرية المتطرفة المبنية على نظرية التفوق الوهمي للإنسان الأبيض، ولذلك لم نشهد تأجيجاً عالمياً لمشاعر التضامن مع ضحايا المسجدين.
الإرهاب بأشكاله المختلفة «لا دين له» وهو ليس وليد اليوم، والفرق بين أنواع الإرهاب هو تنافسها في قتل أكبر عدد من الضحايا. لقد حان الوقت لقادة الغرب ومفكريه لكي يدينوا كل أنواع الإرهاب وأينما يقع، وإلا سيأتي اليوم لتكون المبادرة في يد القوى اليمينية المتطرفة، ويفتك بالجميع من الجنسيات والأديان، وعندها لن يجد الساسة في الغرب من يقف بجانبهم.


هناك في الغرب من يغذي هذا الفكر المتطرف ويقوم بإعطاء صورة مشوهة عن العرب والمسلمين، وأن المسلمين معادون للسامية، ومعروف أن هذه الجماعات، وهي جماعات اليمين المتطرف في الغرب، يربطون الإرهاب بالإسلام.
في اعتقادي أنه بهذا العمل الإرهابي شكك المسلمون في كل مكان بأن القيم الإنسانية التي قامت من أجلها الثورات في أوروبا وهي قيم التسامح الديني وحرية المعتقد وحرية التعبير قد توارت خلف المصالح الضيقة، وأصبحت المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة ومجلس الأمن ومنظمات حقوق الإنسان يغردون خارج السرب عن العالم.