&عبدالله بشارة

منذ سنوات، وفي مؤتمر في بيروت، تحدث السيد عمرو موسى الأمين العام للجامعة العربية عن خواطره في بروز برلمان عربي واحد يتشكل من أعضاء ترشحهم البرلمانات ومجالس الشورى العربية، في خطوة تبدأ صغيرة، ولكنها ستكبر مع مرور الزمن في محاولة لتأكيد ضرورة الانسجام مع التطور السياسي والانساني، وهي فكرة تحمل جاذبية معينة في منطقة تتعطش لحرية القول ولحكم البرلمان. وعلى الرغم من تكاثر أحلام الجامعة العربية في الخروج من حقائق الجفاف التي ترافقها منذ ولادتها،

فقد استجابت الدول الأعضاء لهذا المشروع الواعد وبدأت حلقات العمل تأخذ شيئاً من الصخب صادرا من حيوية رئيس البرلمان المنتخب، السياسي البرلماني الكويتي محمد جاسم الصقر. ولأنه دائم الحركة وكثير الاجتهاد وينشد النجاح، فقد وظف تجاربه الاعلامية لتلميع محتوى البرلمان وأشغله بما يقلقه من قضايا العرب، فتحول البرلمان المشكل من أطراف بينها تجاذب مستمر إلى ساحة سياسية واعلامية تتشابه في اجتهاداتها مع ما تقوم به منظمة التحرير الفلسطينية، وصار الرئيس محمد الصقر مهندس البيانات ومصوغ المفردات التي تتناول هذا الموضوع فحقق الاجماع البرلماني العربي، فقضايا فلسطين لا تثير حساسيات والكل ينجو من اللوم بدعمها مع تأكيد مواقف عربية معروفة. شكل العدوان على الكويت نهاية الجامعة العربية في صورتها التي تسيدت الفترة 1946 – 1990،

كان المفروض أن يتعامل البرلمان العربي مع هذا الواقع الجديد بأسلوب مختلف عن ترديد بيانات تقليدية حول قضايا عربية ليس عليها خلاف. كانت توقعاتنا أن يبحث البرلمان العربي الجديد إحياء الجامعة العربية بنظام عربي جديد، وتقديمها كجامعة حديثة متجددة تؤمن بأن الأمن الجماعي العربي يقوم على مبادئ الديموقراطية وحقوق الإنسان وعلى دساتير تتولد منها أنظمة شرعية عربية معبرة عن الإرادة الشعبية عبر انتخابات حرة تشرف عليها مؤسسات لها مكانة معترف بها في الحياد والنزاهة، مع مقاطعة أي نظام عربي ينقلب على هذا المبدأ، حيث تتم مقاطعته جماعياً، مع ترسيخ مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول واحترام سيادتها واختيارات شعوبها. جاء الخراب الذي دمر الجامعة العربية من المنطق الثوري الذي حكم بعض الدول العربية عن طريق الانقلابات العسكرية، الذي جلب التنافر بين الدول والشك في ما بينها والتخوف من تدخلاتها مع حذر من طروحاتها السياسية. كانت فترة الحرب العربية الباردة أسوأ الفصول في العلاقات العربية بدأت في 1954 وانتهت بهزيمة 1967، كانت فترة انقطعت فيها الثقة بين الأعضاء، وحل مكانها الترقب والبحث عن آليات توقف تحرشات خطابية ومخابراتية تهدف إلى إسقاط أنظمة لا ترتاح إليها هذه الثورية السياسية التي احتكرت النفوذ في الفضاء العربي، وشككت في أنظمة ترتكز على شرعية تاريخية وتستند إلى توافق شعبي. لم تقم العلاقات العربية على مبادئ ثابتة تلتزم بها الدول العربية، وإنما كان ميثاق الجامعة خطوطاً عامة لسلوكيات تأخذ صفة التوصيات وتترك الدول للاعضاء الالتزام بها من دون آلية تحاسب ومن دون اجراءات عقابية على من يخالف. وأكبر العيوب في تاريخ الجامعة تواجد نظام صدام حسين فيها وبقاؤه حتى أسقطه بوش عام 2003، فبعد كل تلك الجريمة التي ارتكبها كان في ساحة الجامعة من يتقبله ويتعاطف معه،

وربما يتمنى بقاءه من دون اكتراث بالجرائم التي تحملها منه شعب العراق. ومن هنا الدعوة إلى تصويب مسار الجامعة وفق ضوابط من يتحداها يجد نفسه خارجها بإدانة جماعية. نحن الآن في وضع مغاير لما قبل الغزو، فكل منا يذهب نحو الممر الذي يحقق مصالحه، ويعزز شرعيته ويوثق انتماءه وفق منظوره الاستراتيجي، فالعالم العربي واسع بجغرافيته وبجيران له من آسيا وأفريقيا، فالجوار في اللعبة الاستراتيجية، له موقع بارز في لائحة المصالح، وفي رسم دبلوماسية كل بلد، ولذلك من الصعوبة التوصل إلى اتفاق على قضايا أمنية حساسة، نسعى إلى التوصل إلى توافق على القضايا التي لها أبعاد انسانية التي تخدم آدمية المواطن، وتدعم طموحه في العيش في نظام مدني متحضر، لا يحمل طموحات فيها تعتدي على نصيب الآخرين وعلى خياراتهم. ولهذا نأمل في أن يتحول البرلمان العربي إلى منتدى يقدم خريطة للعلاقات بين الدول الأعضاء، مستخلص من الأذى الذي لحق بالعرب من الحرب العربية الباردة، ومن الانقلابات ومن جرائم الاستبداد. ويمكن أن نبدأ ببعض المقترحات السهلة:

أولا – الابتعاد عن طرح قضايا فيها دعوات للتعاون العسكري بين الدول العربية من وحي ميثاق الدفاع العربي المشترك، فلا توجد أسواق لشراء مثل هذا الطرح، فالبعد العسكري الفعال لن يتم، وربما تبقى منه تبادل معلومات حول الارهاب وحول التكنولوجيا الحديثة، أما استدعاء المنظومة الدفاعية كما كان يكررها المرحوم الفريق علي عامر في فترة الستينات فقد ذهب زمانه. ثانياً – العمل على دعم التعاونيات العربية الجغرافية مثل مجلس التعاون وتجمعات شمال أفريقيا، ووادي النيل، فللتجمعات الاقليمية في العالم العربي اسهام كبير للعمل العربي التجاري والاقتصادي المشترك. ثالثا – الدفع تجاه اللقاءات العربية في مسار الثقافة والتجارة وتبادل الخبرات والتنسيق في القضايا السياسية العامة وتمرير المعلومات حول الارهاب والكتائب العسكرية التي لا أوطان لها. رابعاً – دعم التعاون الاستثماري بين الدول العربية، فعلى من يريد الاستثمار أن يفتح أسواقه وفق قوانين ترضي المستثمرين وتعطي لكل طرف حقه، من دون مصادرات، وهذه خطوة مهمة، لأن مبدأ الاستثمار تعرض إلى تشويه وأُعطي صفة الشيطنة والنهب، ولذلك يعاني العالم العربي المشرقي من جفاف في التكنولوجيا الحديثة وفي فنون التدريب وشح التسويق. مهمة البرلمان العربي الذي نتصوره قاطرة تأخذ الميدان العربي العام إلى الزمن الحديث وبتبني قيم هذا الزمن، وهي الانضباط والحرية والوفاء للمسؤولية وتجذير الحس الوطني لكي يتولد الحماس فيتجاوز العوائق بكل أشكالها، فليس المطلوب من البرلمان العربي تكرار الأدبيات التي كنا نتابعها في اصدارات الجامعة العربية.. البرلمان العربي قاطرة التغيير الايجابي ..هكذا كان الأمل.
&