&محمد المزيني&

أي لوثة تقود أدمغة البعض للوقوف ضد الوطن في أزماته وهم ينعمون بأمنه ويتفيؤون ظلال خيراته الوارفة؟

تبادر لي هذا السؤال وأنا وغيري من الكتّاب نواجه بعاصفة من الاتهامات، أولها النفاق وآخرها الارتزاق، لن أتحدث عن أولئك الذين كنسوا أقدامهم عن الوطن ويممت وجوههم صوب الغرب، هؤلاء الذين باتوا شوكة في خاصرة أوطانهم وهم يتنعمون في استرخاء تام بين شواطئ أوروبا. أي جريمة أكبر من خيانة الوطن ورميه بحجارة الكراهية والحقد، ولا أتعس من هؤلاء الذين كان للوطن أيادي بيضاء عليهم انعكست على حياتهم إيجابيا من كل النواحي (الصحية والتعليمية والأمنية) ثم تنكروا له سفاهة وغيا، منهم ثلة من أبناء الوطن في الداخل ممن لا تزال لوثة الأفكار العتيقة التي كانت تؤلب على ممالك النفط وقادتها بوصمها بالرجعية، حقداً وحسداً لما أفاء الله عليهم من خيرات الأرض ونعيمها.

في كل مقالة أكتبها عن الوطن تنالني سهام التجهيل والتشكيك، زادت وتيرة هذه النغمة مع الحملة التي تشنها السياسة التركية وبقيادة رئيسها رجب طيب أردوغان على المملكة، إذ لم يترك محفلاً إلا وأطلق لجاجته على السعودية التي لم تعبأ به، بل مضت إلى أبعد مما يصل إليه خياله، لم يتوان لحظة واحدة وهو يؤلب على السعودية، وينفخ فيها جام غضبه، السعودية المحترمة جداً لم تتدخل يوماً في شؤون الآخرين إلا بالسعي لمصالحة ما أو دعم بسبب ظروف ما، ومن بينها تركيا، فلم تنشغل السعودية الماضية في صيرورتها الجديدة لاستنكار هجماته المتكررة على الأكراد وإمطارهم بالقنابل والمتفجرات، أليس من الأولى به مادام إنساناً عادلاً رحيماً إلى هذه الدرجة التي تخوّله لأن يتدخل في شؤون الآخرين، أقول: أليس الأولى به والأمثل له مادام يتحدث عن الأخلاق والقيم الإنسانية أن يتوقف عن المجازر ضد الاكراد؟ أليسوا معارضين ومن حقهم أن يستمع لهم ويحل أزمتهم وفق رؤى إنسانية توقف نزف الدم، لتنتهي الأزمة التركية - الكردية عبر مصالحات كان الأكراد في كل محاولات التفاهم من أجل الحل منفتحين على كل الاحتمالات التي يرفضها جملة وتفصيلا ويزمجر متوعدا إياهم في القامشلي بالإبادة.

لنسأل أردوغان عمن قام بتصفية النساء الثلاث الكرديات الناشطات في حزب العمال الكردستاني في 2013، لم لا يُفتح تحقيق في هذه القضية، أم أن دماء الأغراب أولى من دم المواطن التركي؟ هل أصبحت أغلى وأثمن عنده من دماء الكرديات المغدور بهن؟ ألم يكن من حق الفرنسيين مطالبة حزب العدالة والتنمية بتوضيح ما جرى للناشطات؟ لماذا سكت أردوغان عن دمائهن بينما هو يجلب علينا بـ«خيله ورجله» في قضية كانت السعودية أشجع منه في التعامل معها؟ أي الموازين غير العقلانية أو اللامقبولة تلك التي يتعامل بها مع قضاياه؟ ليكن واقعا تحت اشتراطات اللعب والتطلب السياسي، وله أن يحقق ما يشاء من شعبية سياسية بعد فوزه في الانتخابات، ومن حقه أيضا أن يتوسع في سياساته التي يطمح من خلالها إلى احتكار معظم السلطات التنفيذية بما فيها حق التدخل في النظام القانوني للبلاد وفرض حالة الطوارئ، فليس في ذلك عيب إنما العيب وكل العيب ألا يرى حرمةً في قتل مئات الأكراد بدم بارد وبعنترية غير مسبوقة.

نجد صحافة أردوغان وإعلامه ينافح عنه ويطبل لسياساته، والمصيبة أن نجد من أبنائنا من تاهت بوصلته ووقف إلى صف كل متربص بوطننا، ثم يأتينا من يؤلب علينا من داخلنا ويتهمنا بالنفاق والارتزاق لأننا ندافع عن قضايا وطننا الذي هو ملاذنا بعد الله، هؤلاء الذين يرون أن أردوغان «خليفة» الأمة القادم من فوق جثث أحزاب المعارضة لا يستطيعون النظر إلى القضايا الحساسة إلى أبعد من شراك نعالهم.

أنت منافق مرتزق لأنك تدافع عن وطنك؟ نعم، هذا النفاق لمن أراد أن ينظر إليه من هذه الزاوية «قلادة شرف» نعلقها على رقابنا، أما الارتزاق فهو تهمة منتفية واقعياً، لأن الصحافة اليوم لم تعد مصدر لقمة عيش، وما حبس العاملون فيها والكتّاب أنفسهم إلا لتحمل مسؤولياتهم كاملة تجاه هذا الوطن في ظروف تحولية مشهودة، يخوض قائد مسيرتها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان غمار رحلة مشهودة باتجاه المستقبل ونرى ثمارها تتحقق. لذلك، سنواصل الكتابة ما حيينا إشادة وحباً في وطننا ورفع كل ما يطاله من حيف وتعد وتجاوز.

أخيراً، ليدرك الجميع أن ارتباطنا بوطننا وقادته هو عقيدة لا تهزها عيارات كلامية فارغة، في كل كلمة نكتبها حسنة من الله والحسنة بعشر أمثالها، لأنه وطن امتاز وتفرّد عن كل بقاع العالم، فهو قبلة العالم دينياً وتاريخياً واقتصادياً، وهو ميزان استقرار العالم العربي أجمع، فموتوا بغيظكم وحقدكم.