& &نسيم الخوري

أورثت زيارة مايك بومبيو، وزير خارجية أمريكا إلى لبنان(الجمعة 22 مارس/‏ آذار 2019) مناخاً انقسامياً صادماً. في الشكل، هبطت طائرة الرجل، وكان رئيساً للاستخبارات الأمريكية، في مطار رفيق الحريري الدولي كأنّه مطار خاص غاب عنه لبنان الرسمي والأمني كليّاً. وعبر الجادّة المحاذية للضاحية الجنوبية، حيث «حزب الله» مفرغاً تصريحات تجاوزت في وقعها البالونات الحرارية التي رافقت ربّما رحلته من «تل أبيب»، وقبرص، وصولاً إلى بيروت.
سأخرج فوراً من الانقسامات المألوفة المتورّمة لبنانيّاً، إلى مقاربة علميّة معنيّة بالحدود النفطية والغازيّة في لبنان وهي محور الزيارة تاركاً هموم ملف النازحين السوريين إلى فرصة أخرى.
1- الحدود البريّة بين لبنان و«إسرائيل»: حصل تعريف الحدود في القرار 318 الذي أصدره الجنرال جورو (31 أغسطس/‏ آب 1920). ثمّ حصل تحديدها عبر الاتفاق بين بريطانيا المنتدبة على فلسطين وفرنسا المنتدبة على سوريا ولبنان (23 ديسمبر/‏ كانون الأول 1920). وحصل الترسيم ( 7 آب 1923) بإبرام اتفاقية بوله (Paulet ) نيوكومب (New Comb) وكان عدد النقاط 38 نقطة، وثمة حدود لبنانية-فلسطينية أخرى بعد هذه النقطة لم تصل إلى النقطة 39). وقد تمّ تثبيت الحدود بعدما أودع محضر الترسيم لدى عصبة الأمم في جنيف، وتمّ إقراره في 4 فبراير/‏ شباط 1924. وهكذا، أصبحت الحدود دولية.


أخذت الأمم المتحدة القرار 181 القاضي بقيام دولتين: «إسرائيل» وفلسطين في 29 سبتمبر/‏ أيلول 1947. وبعد نشوب الحرب العربية- «الإسرائيلية» عام 1948 تم التوقيع في 23 مارس/‏ آذار 1949 على اتفاقية الهدنة بين لبنان و«إسرائيل»، ونصت المادة الخامسة على ما يلي: «أ-»يجب أن يتبع خط الهدنة الدائمة الحدود الدولية بين لبنان وفلسطين..... وفي مايو/‏ أيار 1949 تمت الموافقة على انضمام «إسرائيل» إلى الأمم المتحدة، وربطت عضويتها بتعهدها باحترام اتفاقيات الحدود والعودة أو التعويض عن اللاجئين الفلسطينيين.
وقامت لجنة الهدنة اللبنانية - «الإسرائيلية» بين 5 و15 كانون الأول 1949، وبإشراف الأمم المتحدة، بعملية مسح جديدة للحدود ليتم وضع 12 مادة أثبتت النقاط الحدودية (من BP1 إلى 8BP3)، كما وضعت نقاطاً وسطيّة عددها 104 مع خرائط مرفقة توضح إحداثيات تلك النقاط. وتم الاتفاق في محضر اجتماع لجنة الهدنة اللبنانية «الإسرائيلية» في 18/‏1/‏1961، بإشراف الأمم المتحدة، على تجديد وضع الشارات ال38 الأساسية، إضافة إلى النقاط الثانوية.


نستنتج، إذاً، أن الحدود بين لبنان و«إسرائيل» هي مرسّمة، وموافق عليها من قبل الطرفين، وبإشراف الأمم المتحدة، ولا يمكن، أو يعقل للبنان الدخول مجدّداً في أي تفاوض جديد يعيد النظر في هذا الترسيم.
وقامت «إسرائيل» بعد حرب 1967 باحتلال قرية النخيلة اللبنانية، وبعض مزارع شبعا. ثم احتلّت في عامي 1978 و 1982 مناطق لبنانية واسعة. وعند انسحابها حتى الخط الأزرق عام 2000، بقيت هناك مناطق لا تزال تحتلها في 13 نقطة، بلغت مساحتها 485487 م2. يضاف إلى هذه النقاط ال13، مزارع شبعا وتلال كفرشوبا وقرية النخيلة وقرية الغجر بموازاة الحدود اللبنانية -السورية المحتلة التي لم تنسحب منها «إسرائيل»، وقد استحدثت في هذه المناطق محطات تزلج وسياحة ذات مردود مالي سنوي كبير قد يصل إلى حدود 5 مليارات دولار سنوياً.
2- الحدود البحرية بين لبنان و«إسرائيل»: وافق لبنان على الاتفاقية الدولية لقانون البحار بالقانون 295 بتاريخ 22/‏2/‏1994، بينما لم توقع«إسرائيل»عليها، وسقط تطبيقها الذي يعطي لبنان 23500 كلم2 من المنطقة الإقليمية البحرية الخالصة.
ويميل النقاش الدائر حول الحدود البحرية اللبنانية -«الإسرائيلية» لمصلحة «إسرائيل»، مدعوماً من قبل الإدارة الأمريكية في جزء منه، إذ يهدف في النتيجة إلى اقتطاع مساحة 860 كلم2 من الحدود اللبنانية، إضافة إلى الخسائر الحالية في تلك الحدود البحرية التي تقدر بما لا يقل عن 5500 كلم2 مقتطعة حالياً. والواقع إن الطريقة المعتمدة في احتساب المساحة البحرية الخالصة هي غير واضحة بتاتاً، لأنّها تعتمد إلى استنسابية ملتبسة في هذه الحسابات، بسبب استمرار الضغط الأمريكي على لبنان للتخلي ل«إسرائيل» عن حقوقه التي يعرفها جيداً الخبراء اللبنانيون والأمريكيون على السواء.
أذكّر أخيراً بأنّ قانون البحار الدولي يوزّع المياه مناصفةً بين أيّ دولتين متقابلتين، أو متوازيتين، وعليه لا يمكن للبنان أن يقبل بخسائر جديدة تضاف إلى الخسارة المقدرة ب6132 كلم2 والتي جاءت نتيجة خطأ احتساب المساحة البحرية وفقاً للخط المستقيم بدلاً من المتعرّج للشاطئ اللبناني من الناقورة جنوباً إلى النهر الكبير شمالاً، مع التأكيد على أن الدول القارية مثل لبنان لها مساحة بحرية اقتصادية تتجاوز مساحة الجزر البحرية المقابلة مثل قبرص.
الجدير ذكره أنّ الدراسة الشاملة قد تمّ تسليمها من قبلنا إلى الوزير مايك بومبيو.

&