&عزة السبيعي& & &

يقال إن الإمام البخاري - رحمه الله - رحل عن عالمنا وحيدا، حتى إنه لم يصلِّ عليه سوى 22 رجلا إثر محنة خلق القرآن.
وفي الحقيقة أنه لم يكن يرغب في أن يتدخل في هذا الخلاف، لكن أحد الوشاة اللئام قفز أمام وجهه وسأله عن خلق القرآن، فأشاح مرارا، ثم أجاب بصدق الباحث المؤمن الصادق، لتبدأ معها مأساته وألمه والذي اعتاد مثله كثيرا، فربما لا يعرف الناس أنه أيضا عندما جمع أول كتاب في الحديث الصحيح على شرطه الذي يختلف عن شروط باقي جامعي الحديث، وهو أن يثبت التقاء الراوي بمن يروي عنه قد لاقى - رحمه الله - معارضة، فكيف لا يعد آلاف الأحاديث صحيحة لمجرد أن الراوي لم يثبت أنه التقى شخصيا بمن يروي عنه، ألا تكفي المعاصرة كما يفعل غيره؟.


لكن فيما بعد خفت مقاومة الرفض وتفهم العلماء مقصد الإمام البخاري، وأدركوا أن في الأمر متسعا، وأن باقي الأحاديث الصحيحة لن تتضرر فستبقى صحيحة، لكن ليس في رأي البخاري، وعلى من يخالفه أن يحترم هذا الخلاف، أليس هذا جميلا؟ أعني هذا التفهم من العلماء في القرون الأولى الإسلامية جمالا نشعر بفقده كما القمر في الليلة الدهماء؟


ومن ضمنها الليلة التي اختلف الناس حول قبول حديث البخاري ودعوة البعض للتدقيق فيه، ونقد ليس السند كما فعل البخاري، ولكن المتن، وهو الجانب المسكوت عنه في التاريخ الفقهي وعالم الحديث النبوي، رغم وجود شواهد عدة على وجوده واستعماله من الصحابة، رضوان الله عليهم، بل دعوني أقول إن عائشة - رضي الله عنها - لم ترفض حديثا صحيحا بسبب عدم منطقية متنه فقط، بل اتبعته بالتعجب من صاحبه وفهمه كما في حديث الكلب الأسود، وحديث ابن عمر عن وجوب أن تنقض المرأة شعرها في الغسل، فقالت متعجبة منه: «أفلا يأمرهن أن يحلقن رؤوسهن».&
وهنا يظهر سؤال، هل ادعى ابن عمر على النبي - صلى الله عليه وسلم - بهذا الحديث، والإجابة لا، لكن الناس جعلت رأي ابن عمر حديثا وصحيحا، وهذه قضية أخرى جديرة بالنظر.

&