&عبير العلي

كان التهديد الذي أطلقه نائب القائد العام للحرس الثوري حسين سلامة عبر لقاء تلفزيوني في بداية فبراير الماضي، قد جاء ردًا على البيان المشترك للاتحاد الأوروبي حول عمليات إيران التطويرية للصواريخ، وهو التهديد الأكثر جرأة تجاه الاتحاد الأوروبي، والذي تضمن وعودا بتغيير إيران لإستراتيجياتها الصاروخية، وذلك عبر التبديل في «متغيرات تكنولوجية وجغرافية مهمة»، بمعنى استهداف العمق الأوروبي في دقة صواريخ إيران والعمل على فاعلية قوتها التدميرية. وهو ما كرره علي شمخاني أمين المجلس الأعلى للأمن القومي في منتصف مارس، ووجه فيه تهديده بشكل مباشر للمملكة العربية السعودية باتهامات معادية جاعلا منها ذريعة «لتغيير الإستراتيجيات وتسليح القوات».

وقد تزامن مع خطاب شمخاني في نفس اليوم 13 مارس تصريح لقائد مقر خاتم الأنبياء للدفاع الجوي –وهو أحد القوات الأربعة التابعة للجيش الإيراني - غلام علي رشيد، قال فيه «إن على إيران زعزعة استقرار القوى المعادية كالسعودية والولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل من خلال (سحق معتقداتها) وتعزيز المعتقدات الخاصة بإيران». ومن هنا يبرز التساؤل عن ماهية المعتقدات الإيرانية الخاصة التي تطمح إيران لفرضها على واجهة العالم؟.

يقول جوزيف ستالين: «افهم عدوك حتى تستطيع مقارعته»، فبقراءة الدستور الإيراني نستطيع أن نملك تصورا واضحا للمعتقدات الإيرانية التي رسمتها طهران لنفسها منذ قيام الثورة الإيرانية قبل قرابة الأربعين عاما، ولعل أبرزها ما تضمنته المادة 154 في الفصل العاشر المتعلق بسياستها الخارجية، بأن: «إيران تقوم بدعم النضال المشروع للمستضعفين ضد المستكبرين في أي نقطة من العالم»، وهي تشرعن ضمن أساسها للحكم أي تدخل في شؤون العالم كافة والمسلمين على اختلاف اتجاهاتهم الجغرافية خاصة، وتؤكد في المادة الحادية عشرة من أصولها العامة أن عملها على إرساء مبدأ «الأمة الواحدة» سيتخذ أشكاله الثلاثة: السياسية والاقتصادية والثقافية. فإيران سياسيا لا تتوقف عن أطماعها في التوسع في مختلف البلاد من خلال سلطاتها التشريعية وقواتها العسكرية المتمثلة في «الحرس الثوري الإيراني»، الذي تشكل في الأيام الأخيرة من حكم الشاه، ويعد كمؤسسة متكاملة لها استقلالها واعتبارها الخاص داخل إيران، ولها أذرعها وامتدادها خارج إيران عبر فيالق وميليشيات وأحزاب متعددة، أشهرها فيلق القدس بقيادة قاسم سليماني المصنف كتنظيم إرهابي منذ عام 2007، وتمتد عملياته العسكرية والدينية بوجه خاص في العراق وسورية، وحزب الله في لبنان وميليشيا الحوثي في اليمن. ولكل من هذه الفيالق والأحزاب والألوية العسكرية والميليشيات تاريخها من الترهيب العسكري والإيديولوجي في المنطقة.

وعليه فإن تصنيف الولايات المتحدة الأميركية يوم الاثنين الماضي للحرس الثوري الإيراني بأنه منظمة إرهابية، في سابقة من نوعها لتصنيف كيان نظامي بالإرهاب، يعد أمرا مهما، وإن كان متأخرا، وقد بدأ أول تحرك عملي لهذا التصنيف باستخدام الضغط الاقتصادي بدعوة المصارف الأجنبية لمقاطعة الحرس الثوري.

ردة فعل إيران بتصنيف القوات الأميركية كمنظمة إرهابية أيضا، والتي حدثت في ذات اليوم من تصنيف أميركا لحرسها الثوري كمنظمة إرهابية، كان أمرا متوقعا وعدت به إيران أميركا على لسان قائدها اللواء محمد جعفري قبل هذا التصنيف، القوات الأميركية في غرب آسيا: «لن تعرف الهدوء».

إن إدراك الدول المتقدمة لخطورة إيران المتمثلة في حرسها الثوري وإيديولوجية الولي الفقيه وتحركها العملي الجاد يعد هو المكسب الأكبر لدول المنطقة، المتضررة منذ سنوات من التدخلات الإيرانية في سياسات دول المنطقة، وتسببها في نشوب نزاعات داخل الدول وحروب على جبهاتها الخارجية، وتهديدها المستمر لسلامة وأمن المملكة العربية السعودية، بدعمها للميليشيات الحوثية وإمدادها بالأسلحة والتدريب العسكري والصواريخ التي تتجرأ على إطلاقها من وقت إلى آخر باتجاه المملكة. التحرك العملي ضد الحرس الثوري وإن اتخذ طابع مواجهات عسكرية قد تكون حتمية في مقبل الأيام هو ضرورة لحماية أمن وسلم منطقة الشرق الأوسط، والذي عبثت به إيران كثيرا منذ أكثر من أربعين عاما، وعلى القوى الدولية أن تعمل على تفكيك هذا النفوذ الإيراني بتفكيك معتقداتها التي تؤمن بها وتحشد التأييد الشعبي من خلالها، وتضعف بها الداخل الإيراني؛ معتقدات قامت على أسس إيديولوجية ولبست أثواب الدين ونصرة المستضعفين ومبدأ الأمة الواحدة، لأغراض التوسع السياسي والسيطرة العسكرية على الشرق الأوسط.