& عبدالله العوضي

فلسطين على مفترق الطرق، دولياً وإقليمياً وعربياً، مرحلة فارقة من حياة الأمة العربية والإسلامية. هذه مرحلة اللادولة التي تبحث لها عن مكان ما على الأرض للاعتراف بها بعد عقود من المفاوضات التي يقول البعض إننا تأخرنا عنها كثيراً.
هُناك تصور للدولة الفلسطينية أقرب إلى الواقع الافتراضي، مبني على القرارات الدولية التي تعطي الشعب الفلسطيني الحق في إنشاء دولة مستقلة تعيش جنباً إلى جنب مع دولة إسرائيل باعتراف كامل من جميع العرب، وهو الأمر المشمول في مبادرة السلام العربية منذ 2002.
نموذج الدولة الفلسطينية اليوم أقرب إلى «نموذج محاكاة» معروض على الفكر الفلسطيني، ويواجه عقبات وصعوبات على أرض الواقع من صناعة إسرائيل بصفة يومية.
لأن إسرائيل خلقت واقعاً مختلفاً طوال فترة الاحتلال على الأرض الملتوية على رقاب الشعب الفلسطيني في الضفة وغزة، مزروعة بألغام الاستيطان المستدام، وبالطرق الالتفافية التي لا يمكن إنشاء خريطة الطريق في أحيائها.
جاء الوقت الذي لم تعد فلسطين على رأس أولويات بعض الأنظمة العربية، والبعض يلوح بالتطبيع مع إسرائيل قبل تأسيس الدولة الفلسطينية على حدود 1967، كما هو منصوص في كافة القرارات الدولية والمخزّنة في أروقة الأمم المتحدة منذ عقود، ولم تفعل حتى وقت التسريب عن «صفقة القرن» كما تسمى.


لقد أصبحت فلسطين محشورة بين إسرائيل والأردن ومصر، والفلسطينيون أنفسهم غدوا نصفين أيضاً محصورين في غزة والضفة الغربية، بل أوشك أن يقع بينهما «الطلاق البائن» لشدة الخلاف بين الطرفين واتهام بعضهما البعض مرة بالخيانة ومرة أخرى بالتفريط في فلسطين.
يوشك أن يترك الفلسطينيون وحدهم في مساعيهم صوب التحرير، دون أن يُلتفت إليهم، وهكذا يتم الاستفراد بهم والضغط عليهم حتى يفقدوا ثقتهم بأنفسهم والصمود الذي يقيهم شر إسرائيل وأعوانها.
فالسيناريوهات التي تتسرب من بين أيدي ثالثة الأثافي الأميركي، ترامب وكوشنر وبولتون مخيفة ونتائجها إذا مضت، كما هي، مخيبة لكل ما يمس مشاريع السلام في المنطقة العربية.
المشروع بالملخص غير المفيد هو تذويب الدولة الفلسطينية المنشودة والمرتقبة منذ عقود احترقت فيها الآمال العظام وتكبدت القضية جراء ذلك الخسائر الجسام.
يُراد في المرحلة المقبلة ممارسة الضغط على أصحاب القضية للقبول بتفتيت فلسطين بين مصر في سينائها والأردن بكونفيدرالية مع الضفة الغربية، وقيام إسرائيل بزحزحة غزة باتجاه سيناء ليحلو لها الجو في إسرائيل الكبرى وهكذا يُصفى شيء كان اسمه فلسطين.
ما الخيارات المتاحة لدى الشعب الفلسطيني الذي يبلغ تعداده في الداخل قرابة ستة ملايين نسمة وفي الخارج يقترب من ثمانية ملايين نسمة؟ فهذا الشعب لا يمكن إبادته، كما أبيدت الشعوب الأخرى وعلى رأسها الشعب اليهودي.
الفلسطينيون بكل تنوعاتهم الفكرية يملكون إرادة صلبة عصية على الكسر، وقد صمدت طوال فترة النكبة المستمرة، فهي الخيار الأول لهم.
أما الخيار الثاني، فهو وحدة الصف الفلسطيني التي يراد شيطنتها وشرذمتها لضرب الداخل بالداخل، وهو أمنية إسرائيل التي توفر بها أسلحتها الثقيلة.
والخيار الثالث يكمن في رفض الجميع لأي «صفقة» سياسية تنتقص من أي حق فلسطيني اعترف العالم كله به منذ عقود، فالإصرار على ذلك جزء مهم لإفشال أي مخطط أو سيناريو يضع فلسطين في مهب الرياح السياسية العاتية أو على كف عفريت من الإنس.
أما الخيار الرابع فيقع على عاتق الأردن وهو بحق رمانة القضية الفلسطينية والأمانة الهاشمية التي قال عنها الملك عبدالله بملء فيه بعد التصريح المباشر عن الضغوط التي تتعرض لها المملكة: «كلا»، وذلك أمام الشعب في اجتماع «الزرقاء» الأخير، كلا ثم كلا للتنازل عن هذه الوصاية الهاشمية على القدس.


لا نحصي هنا الخيارات، ولكن نركز على الأعمدة الصلبة التي تحافظ على جذوة فلسطين في القلوب.

&

&

&