&جهاد أحمد&&

حجزت السينما السعودية مكانة دولية، عبر مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي، الذي سينظم في جدة التاريخية عام 2020، ويستقطب صناع السينما من كل أصقاع الأرض، وتمتد فوائده إلى تحقيق عوائد اقتصادية وثقافية وسياحية، فضلا عن دعم السينما فنيا.
وجود مهرجان سينمائي دولي في السعودية، على غرار مهرجانات كان وبرلين والبندقية، ومثيلاتها العريقة عربيا، علامة على اهتمام حكومي بهذا المجال، خصوصا أن المهرجان؛ الذي أعلن عنه في حفل إطلاق استراتيجية وزارة الثقافة؛ جاء ليحقق طموحات المبدعين والموهوبين السعوديين، خصوصا إذا ما تم على أيدي متخصصين، مثل المخرج والمنتج محمود صباغ، صاحب التجربة المميزة، الذي لقي تعيينه في هذا المكان ترحيبا كبيرا من الفنانين عبر وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي.

عقود من الغياب

عقود من التعثر، أو التوقف شبه التام إن صح التعبير، لحق بالسينما السعودية، مصحوبا بتغييب كامل لدور العرض السينمائي، إلى أن افتتحت أول سينما في السعودية العام الماضي، ما حفز صناع الأفلام والموهوبين لإطلاق العنان لإبداعاتهم.
وبعد إنشاء وزارة خاصة بالثقافة، كان التحفيز الإيجابي أكبر، من أجل تأسيس صناعة متكاملة الأركان، مدعومة بكوادر مميزة وإمكانات ضخمة وقاعدة جماهيرية عريضة، تواكب محتوى ثريا وإنتاجا قويا تقتحم به المملكة السوق السينمائية العالمية، إضافة إلى الانعكاسات الإيجابية التي تشمل محاور ثقافية وفنية وتنموية مع توفير فرص وظيفية متعددة في هذه الصناعة وفقا لـ"رؤية 2030".
وجاء المهرجان مبادرة غير ربحية تصدر عن مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي، وهي مؤسسة حديثة تم تسجيلها وفق الأنظمة السعودية، إحدى الجهات الفاعلة التي تعنى بدعم قطاع الأفلام المحلية عبر إثراء المحتوى الفيلمي المحلي وتوسيع الصناعة نحو آفاق دولية، ويرأس وزير الثقافة مجلس أمناء المؤسسة، فيما يشغل المخرج والمنتج محمود صباغ منصب رئيسها التنفيذي، وهو الشاب المولود في مدينة جدة عام 1983، ودرس السينما الوثائقية في نيويورك في الولايات المتحدة، ومع عودته للسعودية مجددا صنع أفلاما وثائقية، منها "قصة حمزة شحاتة - كاش"، أما أول فيلم روائي طويل له فكان "بركة يقابل بركة" الذي عرض في قسم المنتدى في مهرجان برلين السينمائي الدولي في عام 2016.

معمل البحر الأحمر للأفلام

الاحتكاك بالخبرات العالمية من خلال المهرجان سيأخذ بيد السينما السعودية إلى الاحترافية، وسينقلها إلى حيز الإنتاج التجاري، ولا سيما أن المهرجان ينبثق منه "معمل البحر الأحمر للأفلام"، الذي يمثل حاضنة لمشاريع الأفلام المحلية، تعمل طيلة العام وفق برامج إقامة وإعاشة للمخرجين والمنتجين، لتأهيل مشاريعهم السينمائية الحديثة من خلال رعايتها في كل مراحل التطوير والتمويل والإنتاج والتوزيع وفق أرفع المعايير العالمية المعتمدة.
وبحسب تقرير لمجلة "فوغ" الفرنسية، فإن مهرجان البحر الأحمر سيعزز الإنتاج السينمائي المحلي، كما سيكرم أفضل الأفلام للإنتاج المحلي والإنتاج المشترك، وتطوير هذه الصناعة رغم التوقف الذي دام 35 عاما، فيما وصفت الصحافة العربية والعالمية بـ "الحدث التاريخي".
وكتبت الصحافة أن خطوة اعتماد المهرجان ستعجل من محاكاة المملكة لإمكانات السينما العالمية، للبدء مما انتهى إليه الآخرون، كما سيكون المهرجان بطابع دولي، يتضمن ورش عمل ومنافسات بين الأفلام المعروضة، وجوائز مرموقة، وتبادلا للمعرفة والنقاشات الفنية.
ومن شأن هذا الاهتمام اللافت في قطاع السينما أن يسهم في تنويع الإيرادات ودعم الاقتصاد بما يتماشى مع "رؤية المملكة"، حيث من المتوقع أن تسهم صناعة السينما بـ 90 مليار ريال في الناتج المحلي الإجمالي، وفي توفير 30 ألف فرصة عمل، فضلا عن دعم قطاعات اقتصادية أخرى بشكل غير مباشر، مثل المطاعم والمحال وخدمات تأجير السيارات والفنادق والعقارات وغيرها.

"شوريل" وأفلام السعودية

قبل سنوات، أطلقت جامعة عفت مهرجان "شوريل" لأفلام الطالبات، وهي خطوة بدأت متواضعة، لكنها ما لبثت أن أصبحت ورقة رابحة للسينما السعودية، وهو ما أكدته الدورة السادسة من المهرجان التي انطلقت قبل أيام، حيث يقام المهرجان تحت شعار "العالم بأعينهن"، وتحتفي فيه الجامعة بأفلام طالباتها وخريجاتها من قسم الإنتاج المرئي والرقمي، ويعد القسم الأول لتدريس فنون السينما في المملكة، وضم الحفل الذي أقيم في القاعة الرئيسة للجامعة عرضا لأهم إنتاجات الطالبات في مجالات الأفلام القصيرة والوثائقية والرسوم المتحركة إضافة إلى معرض للإعلام التفاعلي لأجهزة السينما منذ بداياتها.
المهرجان الذي شهد كلمة لأسامة هيكل وزير الإعلام المصري السابق ورئيس مدينة الإنتاج الإعلامي في القاهرة، شهد أيضا تكريما لنخبة من المخضرمين في مجال الإعلام، حيث كرمت الأميرة لولوة الفيصل الفنانة مريم الغامدي من السعودية، والمخرج نواف الجناحي من الإمارات، وفاطمة الحسينان مراقب السينما في المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب في الكويت، والمنتج اللبناني سام لحود، ومن مصر الناقد السينمائي طارق الشناوي، ورئيس مهرجان القاهرة السينمائي المنتج محمد حفظي، والمخرج الموريتاني عبدالرحمن لاهي رئيس المجلس الفني لمؤسسة المورد الثقافي، والفنانة الصاعدة فاطمة البنوي، وهو ما يعول عليه مهتمون لمهرجان البحر الأحمر، بأن يتبنى فكرة التكريم لمجمل المشوار الفني، سواء للفنانين السعوديين أو العالميين. ومن جدة إلى المنطقة الشرقية، حيث مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي (إثراء)، الذي احتضن الدورة الخامسة من مهرجان أفلام السعودية، بشراكة من الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون، ويسعى لأن يكون محركا لصناعة الأفلام ومعززا للحراك الثقافي في المملكة، وتوفير الفرص للمواهب السعودية من الشباب والشابات المهتمين في صناعة الأفلام، والاحتفاء بأفضل الأفلام. الدورة الأهم في مسيرة المهرجان، شهدت توزيع جوائز على 20 فائزا في أربعة فروع للمهرجان هي السيناريو غير المنفذ، وأفلام الطلبة، والأفلام الوثائقية، والأفلام الروائية، بمجموع جوائز بلغ نحو نصف مليون ريال، كما يعمل "أفلام السعودية" على إصدار خمسة كتب تتعلق بالسينما بحسب موقعه الإلكتروني، لتنبئ هذه المهرجانات السينمائية مجتمعة بحراك فني فريد، يحدث تحولات كبرى في هذا القطاع، وتجعل من المملكة محطة لاستقطاب تجارب محلية وعربية وعالمية، ورقما صعبا في عالم المهرجانات السينمائية.

&