&مصطفى السعيد

&

اليمين الأكثر عنصرية وتطرفا سيقود القاطرة الإسرائيلية المدججة بالأسلحة فى السنوات المقبلة، بعد نجاح حزب الليكود بزعامة نيتانياهو فى الانتخابات البرلمانية، وزيادة حصة اليمين المتطرف المتحالف معه، ليصبح الخطر الإسرائيلى أكبر مما كان عليه فى السنوات الماضية، خاصة مع الدعم غير المحدود من اليمين الأمريكى الجامح بقيادة ترامب، عندئذ سيكون علينا أن ننتظر عامين مقبلين أكثر اضطرابا، بتحالف غلاة اليمين فى كل من إسرائيل والولايات المتحدة، وأول تلك المخاطر ستكون على القدس والمسجد الأقصى والتوسع السريع فى الاستيطان ومصادرة الممتلكات الفلسطينية وتسريع وتيرة هدم مساكن وأملاك الفلسطينيين ومصادرتها، والاعتداء على ممتلكات الطوائف المسيحية، وحقوق الفلسطينيين ممن يحملون الجنسية الإسرائيلية «عرب 1948»، والذين أصبحوا أكثر ميلا لمقاطعة الانتخابات الإسرائيلية، والبحث عن مسارات نضالية بديلة عن الوجود فى الكنيست، الذى لا يحقق سوى تجميل القمع العنصرى الإسرائيلى، لتبدو دولة ديمقراطية، وليست الأكثر عنصرية فى العالم.

&لم يعد بالإمكان الحديث عن مبادرات سلام، فالمقترحات المتعلقة بالسلام حاليا لا ترقى إلى مستوى المبادرات، ولا تأخذ فى الحسبان مجرد التفاوض مع الأطراف الأخرى، وإنما مشروعات مفروضة من جانب إسرائيل ومدعومة من ترامب، ولا تأخذ فى اعتبارها الحقوق الفلسطينية، لنسمع من الولايات المتحدة نغمة جديدة عن إلقاء كل تلك المرجعيات الدولية فى مكب النفايات؛ لأنها لم تعد مجدية، والتفكير فى أسس جديدة للسلام، تتجنب فكرة تخلى إسرائيل عن الأراضى التى تحتلها مقابل السلام، فقد أعلن نيتانياهو فى حملته الانتخابية أنه لا يمكن إجبار مستوطن إسرائيلى واحد على ترك الأرض التى يقيم عليها فى الضفة الغربية، فكل أرض تسيطر عليها إسرائيل هى أرض إسرائيلية بما فيها الجولان السورى المحتل. هذه منطلقات الحلول الإسرائيلية المطروحة، والتى لا يمكن أن تكون حلولا، وإنما تصفية للقضية الفلسطينية لا يمكن قبولها، ولا يبقى إلا طريق الحرب. أعربت أصوات قوية من داخل منظمة إيباك اليهودية الأمريكية المتطرفة عن & انزعاجها من انفلات التطرف الإسرائيلي، هكذا بلغ الأمر، حيث ترى أكبر منظمة يهودية أن نيتانياهو ذهب بعيدا فى تطرفه، وضم إلى كتلته أحزابا وجماعات تتسم بالعنصرية الفجة، وسيكون لها ضررها البالغ على صورة إسرائيل، كما تشتد انتقادات خصوم ترامب فى الكونجرس والحزب الديمقراطى لتلك التحولات داخل إسرائيل، رغم انطلاق جميع هؤلاء من الحفاظ على مصلحة إسرائيل، ويرون أن المزيد من التطرف والعنصرية سيكون وبالا على إسرائيل.

لن يتوقف خطر التطرف الإسرائيلى عند حدود السياسة العنصرية الداعية إلى التطهير العرقي، وإقامة الدولة اليهودية الخالصة، بل سيمتد الخطر إلى محيطها، لتزداد الهجمات العدوانية على غزة وسوريا ولبنان، وربما تمتد إلى العراق الذى تلقى تهديدات إسرائيلية واضحة ومتكررة، وإذا كانت روسيا والولايات المتحدة تحاولان الحد من الاعتداءات الإسرائيلية، خشية تحولها إلى حرب واسعة، فإن النزوع العدوانى سيزداد ضراوة واتساعا خلال السنوات المقبلة، وقد تظن القيادات الأكثر تطرفا أن الضربات الاستباقية سوف تحقق لها الأمن، ولهذا يجب أن تقضى على أى مصادر للقوة فى محيطها العربى أولا بأول، لكن تلك السياسة الجامحة سوف تزيد من حالة الاحتقان فى المنطقة، ولن تسكت عليها الدول المعرضة للعدوان أو المتوجسة من السياسات والأحلام الإسرائيلية وخطابها العنصرى التوسعي، وهو ما يعنى أننا سنشهد المزيد من التوتر الناجم عن تلك السياسات، لكن إسرائيل تتجاهل أن الداعم الرئيسى لها فى واشنطن يعانى العزلة وغالبا لن يتمكن من الاحتفاظ بموقعه فى البيت الأبيض بعد أقل من عامين، وأن موازين القوى فى المنطقة والعالم تتغير فى غير مصلحة الدول الداعمة لإسرائيل، وأنها ستجد نفسها فى مأزق، فبالرغم من الخلل الكبير فى موازين القوي، وحالة الانقسام العربى فإنها عاجزة عن فرض هيمنتها على المنطقة، بل أصبحت تعمل ألف حساب لأى غارة لها على قطاع غزة، خشية الصواريخ الفلسطينية، أما فكرة الاجتياح البرى لغزة فقد تراجعت لأقصى مدي، خشية تكبدها خسائر ضخمة، فماذا سيكون الحال مع الجيش السورى الذى أصبح أكثر خبرة وأقوى تسليحا بعد انتصاره فى الحرب على الجماعات المسلحة، خاصة أن العراق سيصبح عمقا إستراتيجيا لسوريا فى أى مواجهة مقبلة، أما الصدام مع إيران فمازالت الولايات المتحدة لا تنصح به.

إن صعود اليمين الإسرائيلى ليس علامة قوة وإنما مبعثه الخوف على مستقبل إسرائيل، التى تشعر بأن الأمور تفلت من يديها، وأن العالم يتغير بسرعة، وأن الأمان الذى تنشده يصبح بعيد المنال وأن عليها أن تدفع الثمن.&